السبت 18 ذو الحجة 1446 هـ || الموافق 14 يونيو 2025 م


قائمة الأقسام   ||    أسئلة حول ثورات الربيع العربي وأقوال الثوار    ||    عدد المشاهدات: 6091

إيضاحات شرعية سياسية وتاريخية حول ظهور دولة بني العباس على دولة بني أمية، والمماليك على دولة بني العباس، ودولة السلاجقة على دولة البويهيين ، وصلاح الدين الأيوبي على الدولة الفاطمية، وحكومة الدولة العثمانية على دولة المماليك، والثورات العربية كثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر باليمن وثورة مصر، وثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا ونحوها من الثورات ضد الاستعمار، وأيضاً ظهور الملك عبد العزيز على ابن الرشيد لاستعادة حكم نجد لآل سعود، وغيرها من الثورات والانقلابات العسكرية والسياسية، وبيان هل خرج الشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي عن طاعة الدولة العثمانية في عصره وحاربها أم لا؟

حوار هادئ مع الدكتور صادق بن محمد البيضاني

أجرى الحوار: عارف عقلان المدحجي

الحلقة رقم (9)


س9: أحدهم يقول من الأدلة على جواز الثورات : قيام ثورة بني العباس على دولة بني أمية، وثورة المماليك على دولة بني العباس، وثورة السلاجقة السنية التي قامت في إيران والعراق وسوريا وآسيا الصغرى على دولة البويهيين ، وثورة صلاح الدين الأيوبي على الدولة الفاطمية، وثورة الدولة العثمانية على دولة المماليك، والثورات العربية كثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر باليمن وثورة مصر، وثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا ونحوها من الثورات ضد الاستعمار، وأيضاً ثورة الملك عبد العزيز على ابن الرشيد بنجد، وغيرها من الثورات، فما توجيهكم؟ وهل خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي عن طاعة الدولة العثمانية في عصره وحاربها؟


ج9: هذه ثورات سياسية ووقائع تاريخية وليست أدلة شرعية، وينبغي للعقلاء عند النقاش أن يفرقوا بين دليل شرعي ورد في الكتاب والسنة وبين أفعال حصلت من سياسيين في عصر من العصور بعد انقطاع الوحي.

فحرمة الخروج على الحاكم أو جوازه قضية شرعية تتعلق بنصوص الكتاب والسنة، ولذلك عند حدوث أي حدث كثورة أو انقلاب عسكري أو قيام دولة على أخرى فإنه يعرض الأمر على الكتاب والسنة ويكون الدليل هو الحجة لا الحدث العارض ولا الثورة ولا الانقلاب، ويتولى بيان ذلك بالأدلة العلماء المجتهدون في كل عصر، والدليل على ذلك قوله تعالى: "وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[النساء:83].

وقال تعالى: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" [النحل:43]، وقد ثبت في الحديث: «فإنما شفاء العِي السؤال» [أخرجه أبو داود في سننه من حديث جابر]، ومعنى العِي: بكسر العين الجهل.

هناك باب في أصول الفقه عنوانه: "باب الاستدلال" هذا الباب ينص بإجماع المسلمين على أن الاستدلال لا يكون إلا بدليل الكتاب والسنة لا بالأحداث الطارئة التي تحدث كل عصر نظراً للأحوال السياسية.

من جهة أخرى تجدون موقف علماء السنة الكبار - على مر العصور - من الخروج على الحكام سواء بالثورات أو الانقلابات العسكرية ونحوها في أوساط المسلمين يتلخص في: اعتزال الفتنة ومنع الناس من الخروج على الحاكم حقناً للدماء وتسكيناً للدهماء حتى يستتب الأمر ثم مبايعة الأمير المسلم المتغلب بعد انتهاء الفتنة.

وهذا ما حصل من عامتهم في كافة الثورات السياسية في أوساط المسلمين مما أشار له السائل، لكنكم تجدون للعلماء في بعض العصور تأييداً واضحاً في خروج بعض الشخصيات على والي الدولة لسبب شرعي عندهم فيه من الله برهان:

فمثلاً القائد البطل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، عمل وزيراً للدولة الفاطمية ثم عزم على اسقاط الدولة الفاطمية القرمطية الباطنية الشيعية التي تحارب الاسلام والمسلمين وهم سلالة "أغاخان، ويسمون جماعة البهرة وتسمى أيضاً بالمكارمة، فهؤلاء هم أحفاد الدولة الفاطمية الخبيثة" ولذا وقف معه عامة العلماء، واستطاع أن يؤسس الدولة الأيوبية التي وحدت مصر والشام والحجاز وتهامة واليمن، والسؤال لماذا وقف معه العلماء وأيدوه على الخروج على الدولة الفاطمية؟ والجواب: لأن الدولة الفاطمية دولة باطنية كافرة باتفاق العلماء وتحارب الاسلام والمسلمين وتوالي الكافرين، وتذلل الطريق للصليبين لغزو بلاد المسلمين، ولذا ظهر منهم الكفر البواح، وكانت القوة العسكرية يومها بيد صلاح الدين فأيدوه على الخروج على الحاكم الكافر.

كذلك الحال في قيام دولة السلاجقة السنية التي قامت في إيران والعراق وسوريا وآسيا الصغرى على دولة البويهيين الشيعية الرافضية التي أظهرت الكفر البواح واستحلت دماء أهل السنة.

وأما قولك: "الثورات ضد الاستعمار الأجنبي" فهذا جهاد ضد كافر محتل كالاستعمار البريطاني والفرنسي والايطالي ونحوهم من المستعمرين، فلا تسم ذلك بثورات يا أخي واضبط المصطلحات بعيداً عن الخلط الذي يستعمله الثوار القوميون.

وأما هل خرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي عن طاعة الدولة العثمانية في عصره وحاربها؟ فالجواب أنه لم يخرج البتة، ولم تكن يومها نجد تحت سيطرة الدولة العثمانية بخلاف بلاد الحرمين "الحجاز"، وما جرى في عصره في بلدته وما حولها من الحروب الداخلية لا دخل له بالدولة العثمانية حيث لم تكن بلدته وما حولها ضمن إمارات العثمانيين بل كانت مجموعة بلدات وعلى كل بلدة أمير مستقل يحكمها، فكيف نقول بأنه خرج؟! لكن لما رأى الأتراك أن بلاد نجد صارت دولة واحدة، حيث توحدت بلدانهم وقراهم تحت راية الامام محمد بن سعود خافوا على إمارتهم في بلاد الحجاز من قوة أهل نجد فتوجهوا لضم نجد للدولة العثمانية بقوة السلاح، فقاومهم أهل نجد دفاعاً عن أرضهم وخوفاً على عقيدتهم من الأتراك، حيث اشتهر عنهم التصوف والطرق الصوفية الخرافية وتمجيد الأضرحة والبدع والشركيات، وهذا حال كل من غزا أرضه أن يدافع عنها ويدفع كل من حاول السيطرة عليها كائناً من كان، فما بالكم وقد ضٌم إلى ذلك: الدفاع عن التوحيد والعقيدة الصحيحة.

يقول الشيخ عبد العزيز بن باز: "لم يخرج الشيخ محمد بن عبد الوهاب على دولة الخلافة العثمانية– فيما أعلم وأعتقد -، فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة، وعلى كل بلدة أو قرية – مهما صغرت – أمير مستقل … وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة، وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده، فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى" انتهى كلامه حمه الله [ ندوة مسجلة على الأشرطة منقولة من كتاب دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عرض ونقد، للشيخ عبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف (ص 237)].

وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: "الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود لم يخرجوا على ولي الأمر في وقتهم لأن الدولة العثمانية ليس لها سلطة على بلاد نجد، وإنما كانت بلاد نجد بيد أمرائها، كل بلدة من بلاد نجد عليها أمير مستقل بها يحكمها، وإذا مات يخلفه أحد أبنائه أو أقاربه فليس للعثمانيين سلطة على بلاد نجد ولا يهتمون بها. الدولة العثمانية ما تهتم ببلاد نجد لأن ما فيها إنتاج في وقتها ولا يهتمون بها،... إلى أن قال الشيخ: ... وإنما كانت بلا نجد بيد أمرائها وحكامها جيلاً بعد جيل حتى جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – بالدعوة و ناصره محمد بن سعود فبسطوا سلطتهم على بلاد نجد كلها وعلى غيرها من بلاد الجزيرة، مكنهم الله – سبحانه وتعالى – لأنهم قاموا بدعوة محمد – صلى الله عليه و سلم – ونشر الإسلام فدخلت الإمارات كلها التي كانت من قبل متوزعة في نجد، دخلت تحت سلطة واحدة، فحينئذ خشيت الدولة العثمانية أنهم يصلونهم في بلادهم في بلاد العراق وفي بلاد الشام خشوا على أنفسهم وأيضاً عندهم خرافات وعندهم أضرحة فخشوا على ما هم عليه وعندهم تصوف وبدع فخشوا على ما هم عليه من هذه الأمور أن دعوة الشيخ تغيرها فلذلك حاربوا الدولة السعودية" انتهى كلامه [من فتوى مسجلة بصوت الشيخ الفوزان].

للحوار بقية، يتبع في حلقات قادمة بإذن الله.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام