الثلاثاء 21 رجب 1446 هـ || الموافق 21 يناير 2025 م


قائمة الأقسام   ||    دراسات شرعية موجزة حول شبهات التكفيريين    ||    عدد المشاهدات: 5799

شبهة : أن أهل الثغور هم المرجع في قضايا ومسائل الجهاد
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (4)
 بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني

 

ادعى أصحاب هذا الفكر أن جماعتهم أهل ثغور، وأنهم المرجع في قضايا ومسائل الجهاد.
والجواب على هذه الشبهة: أن مسائل الجهاد باب من أبواب الفقه الإسلامي، وأبواب الفقه الإسلامي عِلْمٌ من علوم الشريعة، وقد اتفق أهل النظر والفقه والأصول والحديث أن علوم الشريعة لا تدرك إلا بالأخذ عن العلماء، ولما كان الجهاد له تعلقٌ ملموسٌ بسياسة البلاد كان لولاة الأمر حظ وافر من النظر في مصالح البلاد لحمايتها تحت مشورة العلماء؛ لكونهم فقهاء الجهاد وفقهاء غيره من مسائل الشرع، ثم يتم القطع في أمر الجهاد وتقام الخطط السياسية بترتيب الجيش والعتاد لسد الثغور وحماية البلاد ومقاتلة الأعداء.
وأهل الثغور ” أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم على غفلة فإذا رأوه أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له”([1]) ، ويقال للموضع الذي هم فيه رباط ، ويقال له ثغْر ” فهو كالثلمة في الحائط يُخاف هجوم السارق منها، والجمع ثغور”([2]).
ويكلفهم بهذه المهمة من ناحية فقهية ولي الأمر، سواء قاموا بمهمة الحرب أو الدفاع أو الحراسة، وقد يكون فيهم العامي وشبه المتعلم ولا يكونون في العادة علماء ، فكيف يمكن لهم أن يفتوا في مسائل الجهاد ومدلهمات الأمور، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام له حق الفتيا والنظر في مسائل الجهاد، وكان من أرسلهم لا يخرجون عن سياسته، وكذا الأمر في عهد الخلفاء الراشدين المهديين: فقد كانوا أصحاب الأحقية في مسائل القتال وسياسة البلاد، فيعزلون من شاءوا من أهل الثغور وينصبون غيرهم وكانوا يستشيرون العلماء في مثل هذه الأمور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ” ولهذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر خلفائه الراشدين ومن سلك سبيلهم من ولاة الأمور – في الدولة الأموية والعباسية – أن الإمام يكون إماماً في هذين الأصلين جميعاً : الصلاة، والجهاد، فالذي يؤمهم في الصلاة يؤمهم في الجهاد، وأمر الجهاد والصلاة واحد في المقام والسفر”([3]).
قال شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي رحمه الله” ويلزم الإمام عشرة أشياء: حفظ الدين، وتنفيذ الأحكام، وحماية البيضة، وإقامة الحدود، وتحصين الثغور، وجهاد من عاند، وجباية الخراج والصدقات، وتقدير العطاء، واستكفاء الأمناء، وأن يباشر بنفسه مشارفة الأمور”([4]).
ثم مَن هم أهل الثغور في نظر أصحاب هذا الفكر؟ إلا من وافقهم على التكفير والخروج على الولاة وسفك دم الأبرياء ولمز العلماء واتهامهم بشتى التهم المزرية، فهم أصحاب أهواء، ومثلهم لا يؤمنون على الثغور؛ بل يمنعون منها، لكونهم يفسدون عقائد الناس ويفرقون جموع المسلمين ويحرضون الجند على ولاة الأمر.
قال العلماء ” وليس لأهل الأهواء في شيء من الثغور ولا أثر ظاهر، بل هم أشد ضلالة”([5]).
وقال شرف الدين ” والخارجون عن قبضته ( يعني الإمام ) أصناف أربعة ” -ثم قال-: الثالث: الخوارج الذين يكفرون بالذنب ويكفرون أهل الحق ..، الرابع : قوم من أهل الحق باينوا الإمام وراموا خلعه أو مخالفته بتأويل سائغ صواب أو خطأ ، ولهم منعة وشوكة يحتاج في كفهم إلى جمع جيش : وهم البغاة”([6]).
وقد فرَّق رحمه الله بين مذهب البغاة والخوارج كما تقدم ([7])، ولا شك من صحة التفريق باعتبار كل مذهب، وقد جمع مكفرة العصر بين المذهبين لجهلهم بمسار كل طائفة من الطائفتين.
فإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وحفظ بيضة الإسلام موكول إلى ولاة الأمر، وهم يستشيرون العلماء كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
وليس لأهل الثغور في الشريعة إلا السمع والطاعة بموجب ما يتلقونه من ولاة الأمر، ولذا قال تعالى: ”وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم”([8]).
” قال الحسن وقتادة وابن أبي ليلى: هم أهل العلم والفقه ، وقال السدي: الأمراء والولاة ، قال أبو بكر ابن العربي: يجوز أن يريد به الفريقين من أهل الفقه والولاة لوقوع الاسم عليهم جميعاً”([9]).
والحاصل: أن أهل الثغور من رعايا ولاة الأمر يأتمرون بأمره وله حق التنصيب والعزل حتى وإن كان فيهم علماء، وليس لأحد أن يربط مسائل الجهاد بأهل الثغور لكونهم تحت إمرة إمامهم والجهاد موكول إليه، ومن كان تحت إمرة إمام فيجب عليه السمع والطاعة في المعروف؛ سواء كان مرابطاً مع أهل الثغور أو في الحضر، عملاً بعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام ” على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة”([10]).
وفي حالة كانت الدولة تحكم بغير شرع الله او ولي امرها كافر كلبنان مثلا فإن كبار علماء تلكم البلدان هم من يفتون ويحددون اهل الثغور ويبينون لهم لمن تكون طاعتهم في غير ما مفسدة، وهذه من الحالات المستثناة.
وفق الله الجميع لطاعته والهمهم رشدهم.
ـــــــــــــ
[1] عون المعبود للعظيم آبادي (11/216).
[2] الإقناع للحجاوي (4/292).
[3] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/115).
[4] التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، لأبي المظفر الإسفراييني (ص195).
[5] الإقناع للحجاوي(4/292).
[6] المصدر السابق (4/292).
[7] كما تقدم في المصدر السابق من الموضع نفسه.
[8] سورة النساء ، الآية رقم (83).
[9] أحكام القرآن لابن العربي (3/182).
[10] متفق عليه من حديث ابن عمر.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام