الخميس 18 رمضان 1445 هـ || الموافق 28 مارس 2024 م


قائمة الأقسام   ||    روابط الأخوة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة وربطها بواقع الأمة    ||    عدد المشاهدات: 5336

روابـــط الأخـــــــوة الإسلامية ... تأملات ووقائع

(ضمن سلسلة روابط الأخوة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة وربطها بواقع الأمة)
الحلقة رقم (15)

بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

تعيش المجتمعات الإسلامية في واقعها المعاصر نماذج عدة من الانقسامات والخلافات غير الموضوعية ، والتي تنافي مبادئ ووحدة الصف الإسلامي ، آخذةً سبيلها وفكرها مما سطَّره ودوَّنه لها شرذمة من المفكرين الذين عُرفوا بالتطبيع الشرقي والغربي المغاير للشريعة الإسلامية ، والذين بدورهم نشروا سمومهم وأفكارهم الهدَّامة في الأوساط الإسلامية تتبعاً للأعداء ، وسيراً على منوالهم لنيل عَرَضٍ من الدنيا قليل ، جرياً وراء الشهوات وحباً في المغريات الفانيات حتى أوقعوا الأمة في المهالك وآلوا بكثيرٍ من أبنائها إلى الهاوية.
وهذا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لتتبعنَّ سَنن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ، قلنا يا رسول الله : اليهود والنصارى، قال فمن ؟ "([1]).
وبالمقابل قامت جماعة المسلمين بالدور الإيجابي الذي كُلِّفت به شرعاً على منهاج النبوة وفق ما خطَّه الإسلام لها عقيدةً ومنهجاً وشِرعةً وسلوكاً ، ولم تقبل مبادئ الغرب والشرق، ولا مبادئ الأفكار الدخيلة على أبناء الأمة الإسلامية، واعتبرت كل هذه الحثالات مناوئةً لما عليه دعوة الإسلام الصافية النقية، فسعت لتحقيق مبدأ الإخاء الذي يقوم على أساس الإخلاص والصدق والأمانة ليتحقق لجماعة المسلمين سبيل الرحمة والعطف واللين وكافةِ مَا مِنْ شَأنِه من صالح الفرد والجماعة ، مستقيمةً على ذلك ، وداعيةً إليه ، لأنها توقن أنه من مشكاة النبوة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فكانوا خير خلف لخير سلف.
هؤلاء هم جماعة المسلمين الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالاستمرارية والنجاة والنصر فقال: " لا يزال من أمتي أمةٌ قائمةٌ بأمر الله ، لا يضرهم من خذلهم ، ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك" ([2]).
ومِنْ ثَمَّةَ فإن المسلم يمرض ويغرم ويُظلم وهلمَّ جراً ، فمن يساعد المريض ويزوره ويرفع عنه البلاء وينسيه مرضه ، ومن يدفع الغُرْمَ عن المسلم ويسعى في سداد دينه ، ومن يعطف على المسلم والفقير والمحتاج ويعطيه ما يكفيه أو يسد جوعته، ومن ينصر المظلوم ويقيم ميزان العدل إلا أبناء هذا الخط المستقيم الذين لا يريدون مقابل أعمالهم التعاونية الصالحة جزاءً ولا شكوراً سوى رضا الله وحده ونصرة دينه ، بخلاف أولئك النفر الذين إن ساعدوا أو وقفوامع غيرهم كانت المصلحة سبيلهم والجزاء مرادهم ، إما لخدمة فكر دخيل ، أو حزب مشين ، أو غرض دنيوي منقطع ، وأمثال هذا الصنف زائل لا بقاء له لأنه تعجَّل الثواب، وارتبط بمحسوساتٍ فانية غير دائمة.
وما أحسن قول عطاء ([3]) " تفقَّدُوا إخوانكم بعد ثلاث ، فإن كانوا مرضى فعودوهم ، أو مشاغيل فأعينوهم ، أو نسوا فذكروهم " ([4]).
بل قد " كان في السلف مَنْ يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته .. يقوم بحاجتهم، ويتردد كلَّ يوم إليهم ، ويمونهم من ماله ، فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه ، بل كانوا يرون منه ما لم يروا من أبيهم في حياته ، وكان الواحد منهم يتردد إلى باب دار أخيه ، ويسأل ويقول : هل لكم زيت ، هل لكم ملح ، هل لكم حاجة، وكان يقوم بها حيث لا يعرفه أخوه ، وبهذا تظهر الشفقة والأخوَّة"([5]).
هذا الإخاء الصادق لا يقوم إلا على الأواصر الوثيقة التي تجعل المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ومهما يكن من شئ فإن روابط الأخوة الإسلامية كثيرة ، لا يمكن لمثل هذا المقال أن يجمعها كاملةً، لذا اخترت منها أربعة موضوعات ، وهي : التعاون والنصيحة وحسن الظن والأخلاق الفاضلة كمباحثَ موجزةٍ لتكون نماذجَ حيةٍ لروح الأخوّة الإسلامية ، وسيأتي الكلام عليها في المقالات القادمة بإذن الله، وفق الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
________________
([1]) أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له [كتاب الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل (3/ 1274 رقم 3269 ) ، ومسلم في صحيحه ، كتاب العلم ، باب اتباع سنن اليهود والنصارى(4/ 2054 رقم 2669)] كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري .
([2]) أخرجه البخاري في صحيحه واللفظ له [كتاب العلم ، باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين (1/ 39 رقم 71 )] من حديث أبي سعيد الخدري ، ومسلم في صحيحه ، كتاب الإمارة، باب قوله " لا تزال ظائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم " (3/ 1523 رقم 1920) ] من حديث ثوبان.
([3]) أبو محمد عطاء بن أبي رباح، واسمه أسلم القرشي مولاهم المكي، من رجال الكتب الستة، إمام حافظ، زاهد ،من كبار التابعين، وجلة الفقهاء والصالحين، ولد سنة 27هـ، ومات سنة 114هـ، أخذ الفقه والحديث والتفسير عن ابن عباس، وابن عمرو، وابن عمر وغيرهم، وروى عنه ابنه يعقوب، وأبو إسحاق السبيعي، ومجاهد وغيرهم، نشأ بمكة، وانتهت إليه فتوى أهل مكة [تهذيب التهذيب لابن حجر (7/ 179ـ182)].
([4]) إحياء علوم الدين للغزالي (2/ 176).
([5]) المصدر السابق (2/ 175).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام