الأربعاء 22 شوال 1445 هـ || الموافق 1 ماي 2024 م


قائمة الأقسام   ||    روابط الأخوة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة وربطها بواقع الأمة    ||    عدد المشاهدات: 5812

من فقه النصيحة استعمال اللين والشدة حسب المصلحة والمفسدة

(ضمن سلسلة روابط الأخوة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة وربطها بواقع الأمة)
الحلقة رقم (29)

بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني


مقام النصح يستدعي التوسط "بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق ، ولكن لما كانت الطباع إلى العنف والحدة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر فلذلك كثر ثناء الشرع على جانب الرفق دون العنف " ([1]).
والمسألة اجتهادية بحسب المصلحة والمفسدة لمن يعرف ضوابط مثل هذا المقام، لأن " الدعوة إلى الله تكون بطريقين: طريق لين ، وطريق قسوة ، أما طريق اللين فهو الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وإيضاح الأدلة في أحسن أسلوب وألطفه" ([2])، وهذه هي الطريق الأصل مع المؤمنين والكافرين ، وقد تتعين الشدة مع عصاة المسلمين حسب حاجتها بقدر رفع الضرر ، وهي للسلطان ومن كان له ولاية كولاية الأب على الأبناء، وولاية المسؤول على المخطئ ممن هم دونه ونحوها من الولايات.
وهذا يتضح تمام الإتضاح من فعل النبي صلى الله عليه وسلموقوله وفعل السلف وأقوالهم :

جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: "بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد ، فقال أصحاب رسول اللهصلى الله عليه وسلم: مه مه ([3])، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزرموه ([4])، دعوه فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه ، فقال له: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن ـ أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه ([5])عليه ([6])".
قال المحدث سفيان بن عيينةلأصحابه يوماً: تدرون ما الرفق؟، قالوا: قل يا أبا محمد، قال: أن تضع الأمور من مواضعها الشدة في موضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه" ([7]).

أكتفي بهذا القدر، وللكلام بقية أستأنفه غداً بإذن الله، وفق الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.

-------------
([1]) إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 186).
([2]) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن لمحمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (المتوفى : 1393هـ), (1/ 464), دار الفكر للطباعة والنشر و التوزيع, بيروت – لبنان, 1415 هـ - 1995 مـ.
([3]) بمعنى اكفف عن هذا الفعل.
([4]) لا تقطعوا عليه بوله.
([5]) أي صبه.
([6]) أخرجه البخاري في صحيحه [ كتاب الأدب ، باب الرفق في الأمر كله (5/ 2242 رقم 5679)، ومسلم في صحيحه ، كتاب الطهارة ‘ باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها (1/ 236 رقم 285)].
([7]) فيض القدير شرح الجامع الكبير للمناوي (4/ 56).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام