الخاتمة وأهم النتائج والتوصيات
( ضمن موضوع دراسات شرعية واقعية في الديمقراطية وأصول الأحزاب السياسية)
الحلقة (21) والأخيرة
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
بهذه الحلقة نصل إلى نهاية هذه الدراسة الموجزة عن الديمقراطية وأصول الأحزاب السياسية، وتتلخص نتائج هذه الدراسة وتوصياتها في التالي:
أولاً: النظام الإسلامي نظامي إلهي قائم على الحكم بما أنزل الله وفقاً لأدلة الكتاب والسنة، وهو نظام لا يتخلله خطأ، لأن نسبة الخطأ للنظام الإسلامي الإلهي طعن في حكم الله المتمثل بأدلة الكتاب والسنة، وأما النظام الديمقراطي فهو نظام بشري من صنيع اليونان غير المسلمين، وأحكامه تتغير وتتبدل حسب ما تراه عقول البشر المنتخبين في مجالس البرلمان، فالحلال والحرام في النظام الديمقراطي ما أحله وحرمه البرلمان المكون من المخلوقين الضعفاء الذين اختارهم الشعب سواء كانوا صالحين أو فاسدين، مسلمين أو غير مسلمين، فلهم الحق أو لبعضهم في ظل النظام الديمقراطي التصويت على جواز شرب الخمور والزنا وإقامة بيوت الدعارة ونكاح الرجل من الرجل وعدم ولاية الآباء على الأبناء والبنات إذا بلغوا سن 18 سنة وجواز إسقاط كل الحدود الشرعية وإباحة الاختلاط في المدارس والجامعات ونشر الرذيلة ومحاربة الدين وتضييق وسائل الدعوة على العلماء والدعاة ونحوها من المحرمات، فإذا صوت المنتخبون على جواز ما تقدم بغالبية الأصوات في البرلمان فقد صارت مباحة ومشروعة، ولا يحق للعلماء ان يحتجوا على البرلمان بعد اعتمادها بقال الله وقال رسوله لأن النظام الديمقراطي لا يعترف بأحكام الإسلام وها هي مثل هذه الأمور قد بدت بوادرها غير المشرفة في وطننا العربي.
ثانياً : أن البرلمان ليس مجلس شورى لأن مجلس الشورى في النظام الإسلامي جهة مخولة لتعيين والي الدولة على الرعية متى كان أهلاً للحكم عدلاً فيه، وعزله متى سقطت أهليته واختل شرط من شروط ولايته للحكم.
ويتكون المجلس من كبار علماء البلد، ويختار هؤلاء العلماء معهم مجموعة من كبار الدهاة والأعيان والوجهاء في البلد، ويُعد مجلس الشورى السلطة التشريعية، التي تسن القوانين بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وفي حالة كانت القوانين لا تتعلق بالحدود والقضاء الشرعي، فإن كل وزارة وهيئة ومؤسسة حكومية تسن قوانينها وفقاً للجنة التشريع في الهيئات والوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى، ولا يتم اعتماد أي قانون حتى يتم عرضه على مجلس الشورى للمصادقة عليه أو تعديله، ومن ثم رفعه لولي الأمر لاعتماده، ومن ثم يكون نافذاً.
ويكون رئيس المجلس أحد العلماء الكبار، ولا يكون رئيس المجلس من غير العلماء، لأن الحكم إسلامي، وهذا من اختصاص العلماء لكون البلد قائم على الأمراء والعلماء.
فصلاح الدولة لا يستقيم إلا بالعلماء والأمراء معاً.
ولا يختار أفراد الشعب أعضاء مجلس الشورى في النظام الاسلامي بل كبار العلماء هم من يشرف ويختار أعضاء المجلس لأن الشعب ليسوا بعلماء ولا أعيان ولا يعون مصلحة الدين والشعب والوطن كما يعي ذلك كبار العلماء والحكماء من الأعيان وأصحاب التجارب.
وكيف يكون الحكم شورياً من خلال البرلمانات التي فيها الغث والسمين، ففيها الملحد الذي بصورة مسلم، وفيها الذي يشرب الخمر، ويدعو لإباحته، وفيها الشاذ خلقياً، وفيها شخصيات اشتراكية لا تعترف بالإسلام، وفيها شخصيات علمانية تنادي بفصل الدين عن الدولة، وشخصيات لبرالية تنادي لمطلق الحرية بعيداً عن تعاليم الاسلام، وفيها مرتزقة، وفيها المتردية والنطيحة؟!!.
وكيف مجلس شورى والحكم فيه للأغلبية بالتصويت حتى لو كانت الأغلبية صوتت على جواز المحرمات؟!!
ثالثاً: أن الديمقراطية نظام حكم وليست وسيلة لتقدم ازدهار ورقي الأوطان كما يفهمه بعض من لا ثقافة له.
فالتقدم الاقتصادي والنهضة في كافة المجالات الحياتية الأخرى كل ذلك يتم من خلال أبحاث ودراسات أكاديمية نظرية وعملية تجعلك تنافس الغرب وغيرهم في تطورهم، بل وتتقدم عليهم وتسابقهم في كافة المجالات، ولا يمنع النظام الإسلامي من دراسة كل هذه العلوم العصرية المفيدة لحياة البشرية طالما لا يتصادم منها شيء مع الشريعة.
رابعاً: أن النظام الديمقراطي ليس نظام عدل وأمن ومساواة وحرية كما يزعم الديمقراطيون ويتشدقون، بل هو نظام رجعي قسري جبروتي إرهابي، والواقع أكبر شاهد في عامة الدول الديمقراطية الغربية والشرقية وغيرها.
فالأمريكان والغرب والصهاينة وغيرهم من الديمقراطيين هم من زرع الخوف والإرهاب في العالم كله، فهل هناك أعظم إرهابا من قيام الحرب العالمية الأولى والثانية التي تزعمتها أمريكا والغرب وراح ضحيتهما أكثر من مائة وخمسين ملوناً ما بين قتيل وجريح؟!!
وهل هناك إرهاب أعظم من حكومة أمريكا التي قامت بإبادة شعب أمريكا الأصليين ” الهنود الحمر المسلمين وغير المسلمين” ، حتى أوصل بعض المؤرخين الغربيين عدد قتلى الهنود الحمر إلى أكثر من مائة مليون نسمة من الرجال والنساء والأطفال في أمريكا الشمالية، وأكثر من خمسين مليون نسمة في أمريكا الجنوبية وغيرها؟!!
أليس قتل حوالي عشرين مليوناً استرالياً جريمة وإرهاب؟!!، فمن قتلهم يا أمريكا؟!!! هل قتلهم المسلمون أم الديمقراطيون دعاة السلام والمساواة؟!!!
أليس من الإرهاب والجرائم الدولية أن تطلق أمريكا القنابل الذرية على هيروشيما وناغاساكي اليابانيتين وتبيد البشر وتهلك الحرث والنسل ويروح ضحية ذلك مئات الآلاف من القتلى والجرحى وتعطل الحياة برمتها في المدينتين؟!!!!
لقد قتل الإرهاب الديمقراطي الأمريكي أكثر من مائة مليون أفريقي على مر التاريخ بسبب العنصرية في أمريكا.
وهل من العدل والسلام تسليم فلسطين لليهود والسكوت عن حكومة بورما والصين أن تحرق المسلمين وتمنعهم من إقامة شعارهم؟!! أليس هذا إرهاباً؟!!
وهل من العدل والمساوة والاستقرار وحفظ السلام أن يتزعم الغرب فتنة ثورات الربيع العربي، حيث كان موقفهم هزيلاً تجاه البلاد العربية وشعوبها وحكامها في ظل هذه الثورات، فتارة يقفون مع الشعوب، وتارة مع الحاكم، حيث لم يفوا بتحالفات السلام والاستقرار بينهم وبين الدول التي تحالفوا معها، ثم لماذا شجعوا الثوار بالخروج على الحكام العرب من خلال المظاهرات والاعتصامات، ثم انقلبوا ضد الثوار؟!! هل هذه هي الديمقراطية التي لا مبدأ لها ولا خلق ولا دين؟!!!
خامساً: أن أمريكا حامية الديمقراطية في العالم والتي تسعى لفرضها على كل الشعوب لم تطبق الديمقراطية في بلدها والتي نصت في قانونها على مبدأ العدل والأمن والمساواة، حيث نجد العنصرية المنافية للمساواة في كثير من الدوائر الحكومية الأمريكية بمجرد أنك مسلم أو عربي أو أسود أو من الهنود الحمر، مع عدم المساواة في وظائف الدولة التي صارت تتم بالمحسوبية والرشاوي، بل عامة القضاة الأمريكان مشهورون باستلام الرشاوي، فالعدل في أمريكا خاص بالأثرياء فمن يدفع أكثر يصدر الحكم لصالحه ولو كان مبطلاً، حتى المخالفات المرورية في أمريكا يتم إسقاطها بالرشوة، ناهيكم عن ضعف الأمن في كثير من المدن الأمريكية المشهورة عالمياً بجرائم القتل والابتزاز والسرقات والاغتصاب ونحوها من الجرائم على مرأى ومسمع من الدولة، فلا تتدخل الدولة إلا بين الحين و الآخر بعد وقوع الجرائم، وبعضها يتم إهمالها وعدم متابعتها، وخصوصاً أن الذين يقومون بهذه الجرائم مجموعة عصابات المافيا، وهي عصابات مشهورة لدى الاستخبارات والجهات الأمنية.
وأيضاً هناك جهات استخبارية وأمنية تحبس وتعذب وتقتل بعض العناصر والشخصيات في أمريكا من غير محاسبة ولا محاكمة، وأكبر مثال مقتل الرئيس الأمريكي “جون كينيدي” المتهم بحبه للعرب، وكان قتله على الملأ، أثناء سير موكبه الرئاسي في شوارع دالاس، بتكساس على يد الفني الأمريكي للرادار في المارينز ” لي هارفي أوسولد”.
بل لقد قضت الحريات الديمقراطية المطلقة على أخلاق الشعب الأمريكي بسبب نظام الحرية الإباحية المطلقة غير المنضبطة مما جعل أمريكا تعيش في وحل الظلام والضياع، فكل ساعة – كما جاء في تقارير المراقبة بأمريكا – يموت شخص بأمريكا بسبب سائق مخمور، وخمسون ألف قتيل يموت بأمريكا سنوياً بسبب التدخين، وأربعة آلاف مراهق يومياً ينضم لتعداد المدخنين، و40% من مواليد أمريكا من نساء غير متزوجات، والانتحار في أمريكا أكثر من القتل، وأكبر نسبة اغتصاب للأطفال والفتيات في العالم بأمريكا الديمقراطية، وواحد من كل خمسة وعشرين مراهقاً أمريكياً حاول الانتحار، وثمانية وأربعين حالة طلاق كل ساعة بسبب الصداقات والعشق وإباحة الزنا والشذوذ الجنسي.
وبنحو ما هو في أمريكا نجد ما يعادله في الدول الغربية الديمقراطية الأخرى.
سادساً: أن أمريكا بزيفها الديمقراطي وتسلطها الجبروتي على العالم بقوة السلاح والنفاق سيوصلها إلى الدمار والانهيار، وهذه هي سنة الله لكل من تجبر وتسلط وظلم.
سابعاً : أن الديمقراطية زرعت في الشعوب التعددية الحزبية لكي تتناحر على السلطة ويتقاتلوا، ثم تدعم أمريكا وحلفاؤها الغرب عامة هذه الأحزاب بحيث تقسم الأدوار بينها كدول عدائية ديمقراطية داعمة، لتوهم كل حزب أنها معه مقابل أن يكون لها عميلاً، ثم تضغط على الأحزاب أن تعلن ولاءها لها، لتظهر الديمقراطية وأمريكا بالوجه الحسن في الدولة الفلانية.
ولذا يتبين لكل عاقل فطن: خطر التعددية الحزبية، وأنها أساس سقوط الدول وضعفها وتقهقر شعبها بسبب تناحرها على السلطة وتصادم أتباعها من الجماهير مع غيرهم من المعارضين وكذا مع رئيس الدولة، ومن ثم تخلو الساحة للعدو كي يتدخل باسم المصالحات الوطنية وحل النزاعات بين الأحزاب، ونحو ذلك من الادعاءات الكاذبة.
والحقيقة أنه تدخل لأجل إجهاض وحدة الشعب والوطن وزرع الأحقاد والنزاعات وتوسيع دائرة الخلاف بين الشعوب.
ثامناً: أن الحل إذا فرضت علينا الديمقراطية في بلادنا الإسلامية، ألا نتركها لكونها مزيفة ونسكت، وبالتالي يستغلها الأعداء لإفساد الوطن والشعب وتغريب الأمة، بل لا بد من تحذير الناس من خطرها وأنها بضاعة أعدائنا، ونقول للناس أجمعين : إن النظام الإسلامي هو الحل وأن غير النظام الإسلامي لن يكون حلا ولا بديلاً، وأنه لن يصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء.
تاسعاً: أن الديمقراطية إذا فُرضت علينا كمسلمين في دولنا الإسلامية، فإنه يلزمنا دفع ما استطعنا من شرورها وتقليل مفاسدها وتفويت الفرصة على من جعلها وسيلة لإفساد الأمة، وذلك من خلال الوظيفة في الدولة والعمل في المؤسسات الحكومية سواء كانت حكومات إسلامية أو غير إسلامية، وهذا أمر مطلوب لمن كان ورعاً وأهلاً لذلك، إذ الصالح أولى من غيره، عسى الله أن يصلح وينفع بمثله العباد والبلاد إذا أخلص في وظيفته الحكومية وأقام من خلالها الشرع المطهر، فقد تولى نبي الله يوسف منصب عزيز مصر، وقال لمليكها – وهو كافر على الراجح -:(اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْض إنِّي حِفِيظٌ عَلِيم)[يوسف:٥٥].
مع المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للضرورة إذا كانت لمصلحة راجحة بفتوى محضر مجموعة من كبار العلماء حسب كل بلدة بعد النظر في المصالح والمفاسد، فما دعت له الضرورة فإنه يقدَّر بقدره دون تعميم الفتوى لكل زمان ومكان؛ بل تختلف البلدان وأحوالها، فالعلماء في بلدهم يدرسون واقعهم على ضوء الشريعة ومقاصدها، ويصدرون الفتوى الشرعية بمحضر أهل الفتوى في بلدهم وفق قاعدة « درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» بعيداً عن التعددية الحزبية.
كما يجب على العلماء أن يكون لهم دور فعَّال مهما اختلفوا بحيث لا يستغل بعض المفسدين في الأنظمة أو المنظمات والاستخبارات الخارجية هذا الفراغ بتقويض دورهم في المجتمع، في ظل النظام الديمقراطي.
عاشراً: أن صلاح السلطة لا يحتاج أن نتصارع عليها، وإنما يتم بالسعي الحثيث لإصلاح من في السلطة من خلال نصح السلطان ووزرائه ومن كان على هرم السلطة نصحاً فيه الشفقة والرحمة للمنصوح، وتكون النصيحة بالعلم مع الحلم بعيداً عن نقد السلطان أمام الملأ، فإن السلطان الغشوم لم يقم سلطانه إلا بالسيف ولا زال يحرسه بالسيف، فحفاظاً على سلامة الدماء والبعد عن بطشه لزمت نصيحته في السر، وذلك للتأثير عليه درءاً للمفاسد وجلباً للمصالح، هكذا قامت نصوص الشريعة.
حادي عشر: يجب على عقلاء المسلمين من علماء وغيرهم أن يكون لهم مشروع دولة حديثة تقيم العدل والاستقرار والأمن وتطبق أحكام الله في محاكمها وأجهزة أنظمتها المختلفة بمثل ما كانت عليه الدولة الراشدة في العهد النبوي الزاهر، وفي زمن الخلفاء الراشدين الأربعة، ولا أقصد بذلك أن يخرجوا على ولاة أمر المسلمين بالثورات والانقلابات ولكن يدرسون هذا المشروع بجميع آلياته ويطالبون ولاة الأمر في بلدانهم بالحكمة واللين ونصيحة السر والمشاورة لأجل تطبيق هذا المشروع القائم على الحكم بما أنزل الله، ولو بالتدريج، بحيث كل زيارة وفترة يضعون عليه مسائل من هذا المشروع، فإن فعلوا فقد أتوا بأجل الواجبات الشرعية، ودفعوا المفاسد عن الأمة، وذلك أن الشعوب تفسد بمرض القلوب وغياب دور العلماء وفساد الحكم .
ثاني عشر: أن الأعداء مهما حاربوا الإسلام وأهله، فإن أهله سينتصرون يوماً من الدهر، وستكون لهم خلافة راشدة على منهاج النبوة، تزلزل دولهم وأركانهم، وتقضي على أدواتهم في البلاد الإسلامية من منافقين ومرجفين.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون