الصراع بين الإخوان المسلمين والسلفيين وعموم المسلمين من علماء وغيرهم
أصول الخلاف والحقوق الشرعية
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية )
الحلقة (4)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
الخلافات بين الدعاة في العصر الحديث واضحة لكل عاقل بصير بأحوال الأمة، وقبل الخوض في هذه الخلافات وأصولها وأسبابها وعلاجها ضمن حقوق شرعية أخوية أشير إشارة طفيفة إلى أصل الخلاف بين الإخوان المسلمين والسلفيين، مع العلم أن بعض السلفيين (كقادة حزب الرشاد السلفي وحزب النور السلفي أنموذجاً) تأثر ببعض أطروحات الإخوان المسلمين رغم خلافهم ونقدهم لهذه الجماعة التي أسسها الأستاذ حسن البنا رحمه الله.
فأقول وبالله التوفيق:
منشأ الخلاف بين السلفيين والإخوان المسلمين يعود إلى أصولٍ، رفض الإخوان المسلمون التخلي عنها رغم تصادمها مع نصوص الكتاب والسنة.
وأهم هذه الأصول ما يأتي:
الأول: أن الإمامة والبيعة لا بد أن تكون لأمير جماعة الإخوان، لا لولي الأمر «حاكم الدولة» ولكن من باب سياسة ومصلحة الجماعة يظهرون الولاء للحاكم ويخفون خلافه في الباطن كما هو الحال عند غيرهم من الأحزاب الأخرى.
وهذا يتعارض مع نصوص الشريعة وأصولها، فإن البيعة لا تكون إلا لحاكم البلدة باتفاق العلماء سلفهم وخلفهم حتى وإن كان ظالما أو فاسقا؛ حقنا للدماء, وحفظا للأمن والاستقرار، مع وجوب نصيحة ولي الأمر بالحكمة والرفق خوفاً من بطشه ودرء لحصول المفاسد حال الغلظة عليه.
قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً]النساء: ٥٩.
وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة»(1).
وأخرج مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع؛ فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»(2).
واخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: "دَعَانَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ".
ولا تتعارض هذه الطاعة بإنكار المنكرات وقول كلمة الحق عند سلطان جائر، فالخروج عليه بالثورات والانقلابات شيء يتعارض مع نصوص الشريعة، وإنكار المنكرات وقول كلمة الحق شيء آخر لا مانع منه في حدود أدلة الشرع المطهر.
الثاني: حصر وحدة الأمة في جماعة الإخوان منهجا.
إذ الإخوان لا يرون الوحدة والاجتماع إلا باجتماع الأمة تحت منهج الجماعة، باعتبار أن حكام المسلمين اليوم ليسوا أهلا للحكم، وأنهم هم جماعة المسلمين التي تدرك الواقع وأخطار الأعداء، والمؤهلة للوصول إلى كرسي الخلافة الإسلامية.
الثالث: الرضوخ لبعض القوانين الوضعية المخالفة للنصوص الشرعية ليس اعتقادا منهم بأنها مقدمة على الشرع، وإنما بحجة الوصول لكرسي الحكم، وفي هدا إشارة لتطبيق قاعدة «الغاية تبرر الوسيلة» رغم أنهم يرفضون هذه القاعدة من أصلها من خلال ندواتهم، ويقولون: إنها من قواعد العلمانية، فخالف فعلُهم قولهم بسبب شهوة الكرسي الذي يدَّعون أنهم لو وصلوا إليه فسيقيمون الشرع، ويعيدون للأمة شرفها وقدرها على سائر الأمم.
لقد اتخذ الإخوان المسلمون الديمقراطية مطية للوصول إلى كرسي الحكم؛ رغم تصادمها مع الشرع؛ وقد صرح بعضهم زورا وبهتانا بأنها من صميم الإسلام، فقال: «إن الإسلام لا يتعارض مع قيام أحزاب سياسية ولا يتعارض مع الديمقراطية؛ بل إن لب الديمقراطية من صميم الإسلام(3)».
كذا صرح عبد الخالق فريد عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين من خلال لقاء صحفي معه في مجلة المصور.
وأيضا قال: «في رأينا أن حل الأزمة الاقتصادية يرجع إلى تعميق وإطلاق الحرية والديمقراطية، وعلاج مشاكلنا بمزيد من الديمقراطية»(4).
ولتعريف الإخوان على حقيقتهم وواقعهم، إليكم بعض أقوال قادتهم ومن عاش معهم لتعرفوا عنهم ما يدمي القلب:
نقل محمود عبد الحليم - وهو من أعمده الاخوان المسلمين - ما سمعه بنفسه من محاضرة الشيخ حسن البنا رحمه الله: قوله : “فأقرر إن خصومتنا لليهود ليست دينية؛ لأن القرآن حضَّ على مصافاتهم ومصادقتهم, والإسلامُ شريعةٌ إنسانيةٌ قبل أن يكون شريعةً قوميةً, وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقاً فقال : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) سورة العنكبوت، الآية: 46. وحينما أراد القرآن الكريم أن يتناول مسألة اليهود تناولها من الوجهةِ الاقتصادية! والقانونية!! “، المصدر [ أحداث صنعت التاريخ” لعبد الحليم محمود (1/4099-410)].
وقال الشيخ محمد الغزالي في كتاب (معالم الحق صفحة 224) : ”ولقد سمعنا كلاماً كثيراً عن انتساب عدد من الماسونية بينهم الاستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الإخوان، ولكني لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخترق جماعةً كبيرةً على النحو الذي فعلته“.
ويقول القيادي محمد قطب أخو سيد قطب - رحمهما الله - في كتابه واقعنا المعاصر(صفحة 438 طبعة :1997م، طبعه الشروق) : “تسبب الاخوان في سوريا في مقتل ما يقارب من ثمانين الى مائة وعشرين الف مسلم في حماه، وسيحاسبهم الله تعالى على هذا العبث“.
بل لقد وصل بالإخوان المسلمين أنهم صاروا عبارة عن مجموعة عصابات في أوقات الثورات والانقلابات قديماً وحديثاً، وقد قال القيادي الإخواني عباس السيسي (في كتابه قافلة الاخوان ص229) : ”وعلى هذا فقد انتشر الاخوان المسلمون يستأجرون الشقق في الأماكن الإستراتيجية التي يستطيعون منها اصطياد رجال الحكومة وكل مجموعة من هؤلاء معها سلاحها ومؤنتها وعدتها”.
ويقول الشيخ الغزالي العضو في مكتب الإرشاد في جماعه الاخوان المسلمين كما في كتاب (معالم الحق في كفاحنا الاسلامي الحديث صفحة 226): ”وقد كان هؤلاء الشباب الأخفياء شرا وبيلا على الجماعة فيما بعد، فقد قتل بعضهم بعضا، وتحولوا الى آداه تخريب وإرهاب في يد من لا فقه لهم في الاسلام، ولا تعويل على إدراكهم للصالح العام”.
وقال الاستاذ عبدالعزيز كامل عضو مكتب الارشاد السابق في (مذكراته صفحة 82) : ”كانت هذه أول تجربة لسيد قطب في اعتقاله مع الإخوان ..ولاشك أن سيد قطب صدم مما رأى، وفي بعض من رأى، وبخاصة في المستويات الإدارية العليا للإخوان، ورأى الرجل في بعضهم ضحالة في الفكر واضطرابات ولينا في الدين، وكان صدمةً له ولم يكن يخفِ ذلك عندما تلاقينا”.
واليوم الإخوان المسلمون يدافعون عن سيد قطب رحمه الله ليكسبوا الرأي العام رغم كلام الاستاذ عبد العزيز كامل الذي سقته لكم سابقاً، فدعوني أكشف لكم لثامات عديدة لتعرفوا سيد قطب عند الإخوان قديماً وكيف اختلف اليوم لتعلموا أن القضية غوغائية ومجرد تكثير أتباع ولو على حساب الدين.
يقول الدكتور يوسف القرضاوي (في كتابه أولويات الحركة الإسلامية، صفحة 110) : ”في هذه المرحلة ظهرت كتب سيد قطب التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره الذي تنضح بتكفير المجتمع….وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة“.
وقال فريد عبدالخالق أحد قادة الإخوان في كتابه (الإخوان المسلمون في ميزان الحق” ص115) : ”إن نشأة فكرة التكفير بدأت بين بعض شباب الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينات وبداية الستينات وإنهم تأثروا بفكر سيد قطب وكتاباته وأخذوا منها أن المجتمع في جاهلية، وإنه قد كفر حكامُه الذين تنكروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما أنزل الله ومحكوميهم إذ رضوا بذلك”.
وقال علي عشماوي (في كتابه التاريخ السري للإخوان المسلمين صفحة 80) : ”وجاءني أحد الإخوان وقال لي إنه سوف يرفض أكل ذبيحة المسلمين الموجودة حالياً، فذهبت إلى سيد قطب وسألته عن ذلك فقال: دعهم يأكلوها فيعتبروها ذبيحة أهل الكتاب، فعلى الأقل المسلمون الآن هم أهل كتاب (!!)”.
وقال علي عشماوي أيضاً (في الكتاب نفسه صفحة 112) وهويصف زيارته لسيد قطب و مقابلته له: ”وجاء وقت صلاة الجمعة، فقلت لسيد قطب دعنا نقم ونصلي وكانت المفاجأة أن علمتُ - ولأول مرة - أنه لا يصلي الجمعة “(!!)، وقال إنه يرى أن صلاة الجمعة تسقط إذا سقطت الخلافة وأنه لا جمعة إلا بخلافة“.
قلت: وإذا صدق علي عشماوي في قصة ان سيد قطب يرى سقوط الجمعة لسقوط الخلافة فهذي طامة، والله حسيبك فيما قلت يا عشماوي.
فإن قادة الإخوان في مؤلفاتهم ومذكراتهم نقلوا عن سيد قطب قديما بعض الطوام وردوا عليه بقسوة كما تقدم في الأمثلة السابقة، أما اليوم فتغيرت لهجتهم لاجل كسب الرأي العام وصاروا يثنون عليه ويمجدونه، وهذا غريب منهم.
ومن أقوال الرئيس المنقلب عليه ”محمد مرسي” عبر القنوات الفضائية ما يأتي:
1- لا يوجد خلاف عقائدي بين المسلمين والمسيحين، وإنما هو خلاف ديناميكي آليا ووسائل (5).
2- قطع يد السارق ليس من الشريعة وإنما هو أحكام فقه (6).
3- المرجعية في اختيار الرئيس هو الشعب ولا مانع أن يكون نصرانيا (7).
4- لا مانع أن تتولى رئاسة الحزب امرأة (8).
كما تحالفوا مع بعض الأحزاب المنحرفة: كالبعثية، والاشتراكية، والناصرية، ونحوها في كثير من الدول العربية وسموه توافقا، ونادوا إلى الحريات واحترام الرأي والرأي الآخر بما لا ينضبط بضوابط النصوص الشرعية؛ بل بطرق مطاطية تتعارض مع نصوص الشرع، وقد ناقشنا بعض الفضلاء منهم فقالوا: كل هذا مجرد سياسة لا ديانة، فقلنا لهم: سياسة غير شرعية عندكم كمنظرين ومفكرين، أما من حولكم من الشباب المسكين والعوام فقد ظنوها ديانة بسبب التقليد والجهل والهوى الذي عمَّ شعوب الأمة.
بل لو قلتم: «مجرد سياسة» أيجوز لكم أن تلعبوا بالدين وأحكامه المطهرة على هواكم لأجل شهوة الكرسي؟، وتقولون “هي مجرد سياسة”.
ثم إن هذا التوسع على حساب الدين بقميص نصرة الدين لن يحقق لهم غاية الوصول إلى الكرسي؛ لأن من عصى الله وخالف أصول شرعه وتعدى على حكمه للعمل بغير ما أنزل الله ولو ضمناً فهو محارب لشرعه، فكيف ينصر الله من حارب شرعه، وهو القائل: [وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ] الروم: ٤٧٧.
والعجب العجاب: أن هؤلاء يتوهمون أنهم بطريقتهم هذه سيحكمون الأمة شرعيا، إذ الحاكم الحقيقي لو ظفروا بالكرسي هو النظام الديمقراطي، حتى وإن تولوا رئاسة الدولة؛ لماذا؟ لأن رضوخهم تم للمسار الديمقراطي - بدليل خوض الانتخابات والتعددية الحزبية والتحالفات مع من يحارب الدين من أصحاب الأحزاب العلمانية واللبرالية والرجعية واليسارية ونحوها - وهذا كله يفرض عليهم العمل به وإلا رفضهم مخالفوهم من دعاة الديمقراطية بالمظاهرات والانقلابات، وهذا ما حصل بمصر في العصر الحديث؛ حيث انقلب الحكم لغيرهم، وفي الحالين - فأنتم بطريقتكم هذه تحكمون بغير ما أنزل الله، سواء ألبستموه قميص الدين زورا أم ألبستموه قميص الديمقراطية كرها، طالما أصل الوصول للحكم خاضع لغير دستور الإسلام.
ثم إنكم لو فشلتم في الانتخابات ولم تصلوا للحكم فيلزمكم الاستسلام لغالبية الأصوات والاعتراف بفوز مخالفيكم كرها، حتى وإن كان رئيسهم يحارب الإسلام وأهله، ويرى أن الإسلام لا يصلح ديناً للدولة، وربما بعضكم هنَّأه بالفوز، وتبررون التهنئة لغيركم - كعادتكم - أنها مجرد مداراة وسياسة.
الرابع: توسعهم في جمع الناس على منهج الجماعة حتى ولو كان من أشد أعداء الدين، نظرا لقاعدتهم المشهورة التي رسمها مؤسس الجماعة الأستاذ حسن البنا رحمه الله: «نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه».
حيث يمجدون الخميني وبعض رؤوس الرافضة كما في كتبهم ومقابلاتهم الحوارية ويقبلون في الجماعة كأعضاء: الرافضي، والجهمي، والمعتزلي، والجارودي، والصوفي، ونحوهم من أهل الضلال؛ بل ويشركون معهم بعض البعثيين والناصريين والعلمانيين واللبراليين بحجة تكثير الأعضاء للوصول إلى كرسي الحكم، بل اخترقهم الماسونيون كما تقدم من كلام القيادي محمد الغزالي حيث ذكر ان مرشد الجماعة حسن الهضيبي ماسوني، وقد تم حذف هذه الجملة من كتاب الغزالي بعد موته فلم نجدها الا في الطبعة القديمة.
فتوسعهم غير الجائز لأجل الكرسي توسع يتصادم مع اصول الدين وعقيدته ومنهجه، ثم هم غير مكلفين شرعا بالوصول إليه؛ لأن الوسيلة المنافية للشرع تتعارض مع المقاصد المشروعة، وما قام على باطل فهو باطل وما تفرع عنه باطل.
وبذا يمتنع الاتفاق بين السلفيين الذين ينادون إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وبين الإخوان المسلمين الذين يتصادم منهجهم مع بعض نصوص الشريعة الغراء.
ومعنى ذلك أن يبقى أمام أصحاب المنهج السوي والإخوان المسلمين منهج التعامل الشرعي في حدود الشرع، فيثبت للإخوان المسلمين حق الإسلام وحق الأخوة الدينية، مع الاعتبار: أن منهجهم لا يخلو من خلل - كما سبق بيانه -، فمن اعتقد أن منهج الاخوان المسلمين هو منهج الدين الذي تعبدنا الله به فهو من المبتدعة بخلاف عوام الاتباع منهم - ممن يجهل حكم أصول منهج الإخوان، وكذا من لم تبلغه الحجة من القادة الذين يجهلون أحكام الشرع لعدم طلبهم العلم الشرعي - ومن باب أولى عموم المسلمين(9)-، فهؤلاء جميعا نحبهم على قدر ما فيهم من إيمان ونبغضهم على قدر ما فيهم من عصيان، ونرجو لنا ولهم الهداية والرشاد، ولا نناصرهم على شيء يتصادم مع نصوص الشريعة السمحة، وإذا هاجم الكفار بلاد المسلمين فنحن والإخوان المسلمون وغيرهم من أهل النحل القبلية الأخرى إخوة في مقاتلة الكافرين لحديث «المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم ويرد على أقصاهم»(10).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «والواجب على كل مسلم أن يكون حبه، وبغضه، وموالاته، ومعاداته تابعا لأمر الله ورسوله، فيحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، ويوالي من يوالي الله ورسوله، ويعادي من يعادي الله ورسوله، ومن كان فيه من يُوالى عليه من حسنات، وما يعادى عليه من سيئات عومل بموجب ذلك؛ كفساق أهل الملة؛ إذ هم مستحقون للثواب والعقاب، والمولاة والمعاداة، والحب والبغض بحسب ما فيهم من البر والفجور …: [فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ](11)اهـ.
وقال رحمه الله : ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب ويحب من وجه ويبغض من وجه، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة؛ خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم، وقد بُسط هذا في موضعه(12).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله تعالى -: «وإذا كان مؤمن عنده إيمان وعنده معصية، فنواليه على إيمانه، ونكرهه على معاصيه، وهذا يجري في حياتنا؛ فقد تأخذ الدواء الكريه الطعم، وأنت كاره لطعمه، وأنت مع ذلك راغب فيه؛ لأن فيه شفاء من المرض، وبعض الناس يكره المؤمن العاصي أكثر مما يكره الكافر، وهذا العجب، هو قلب للحقائق، فالكافر عدو لله، ولرسوله، وللمؤمنين، ويجب علينا أن نكرهه من كل قلوبنا: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ] [الممتحنة: ١] – [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ] المائدة: ٥١ - ٥٢٢.
فيَصِل المطيع وإن عظمت معصيته؛ لقوله – تعالى – فيمن قَتَلَ مؤمنا عمدا: [فمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ] البقرة: ١٧٨. فجعل الله القاتل عمدا أخا للمقتول، مع أن القتل - قتل المؤمن عمدا - من أعظم الكبائر، وقوله تعالى في الطائفتين المقتتلتين من المؤمنين[وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا] الحجرات: ١٠٠. فلم يخرج الله الطائفتين المقتتلتين من الإيمان، ولا من الأخوة الإيمانية»(13) اهـ.
وما سبق من كلام ابن تيمية وابن عثيمين القائم على نصوص الكتاب والسنة، يتنزل في عموم المسلمين طائعين وعصاة.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.
(1) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى (2/140 حديث رقم 293)].
(2) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الجهاد والسير، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول (23/1472 حديث رقم 1844)].
(3) مجلة المصور المصرية، عدد: 3217، 29/ رمضان/1406 هـ، 6/7/1986.
(4) فريد عبد الخالق، الإخوان المسلمون في ميزان الحق (ص295).
(5) كذا شاهدناه له من خلال مقابلة تلفزيونية على قناة المحور، والمادة محفوظة على اليوتيوب.
(6) قال ذلك من خلال مقابلة تلفزيونية على قناة الحياة، والمادة محفوظة على اليوتيوب.
(7) المصدر السابق.
(8) المصدر السابق نفسه.
(9) ومثلهم الحكومات الإسلامية في العصر الحديث، وقد أحسن شيخنا مقبل الوادعي عندما قال: «الحكومات نحبها بقدر ما فيها من الخير، ونبغضهم بقدر ما فيها من الشر» اهـ [مقبل الوادعي، هذه دعوتنا وعقيدتنا (ص20)].
(10) أخرجه أبو داود في سننه [كتاب الجهاد، باب في السرية ترد على أهل العسكر (3/80 رقم 27511)]، والنسائي في السنن الكبرى [كتاب السير، باب إعطاء العبد الأمان (8/56 رقم 8628]، وابن ماجة في سننه [كتاب الديات، باب المسلمون تتكافا دماءهم (2/895 رقم2683)، وأحمد في مسنده (2/268 رقم 959)، والحديث صحيح بشواهده.
(11) ابن تيمية، مجموع الفتاوى (35/94).
(12) ابن تيمية، منهاج السنة (4/543 - 4).
(13) ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (3/11،12)