الخميس 18 رمضان 1445 هـ || الموافق 28 مارس 2024 م


قائمة الأقسام   ||    روابط الأخوة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة وربطها بواقع الأمة    ||    عدد المشاهدات: 5567

هذا هو حال سلفكم الصالح مع الناس، وهذه هي أخلاقهم الحسنة فكونوا خير خلف لخير سلف

(ضمن سلسلة روابط الأخوة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة وربطها بواقع الأمة)
الحلقة رقم (55)

بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني


لقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة في الأخلاق الفاضلة التي أقاموها في مجتمعاتهم وفق مراد الله جل وعلا ، فكانوا " يرحمون مساكينهم ، ويواسون فقراءهم ، ويعفون عمن ظلمهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، ويحلمون عمن جهل عليهم ، ويستغفرون لمن سبَّهم، ويصلون أرحامهم، ويؤدون أماناتهم، ويوفون بعهودهم، ويصدقون في مواعيدهم ، ولا يرغبون عن أكفائهم ([1])، ولا يستنكفون([2]) عن أقاربهم، فاصلح الله لهم بذلك أمرهم" ([3])، فهم خير أهل الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، وفي مقدمة السلف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم اتقى الناس وأبرهم ، وأحسنهم خُلقاً ، وأجملهم سيرةً ، كيف لا يكونون بِهذه المنزلة وقد أثنى الله عليهم في كتابه الكريم وامتدحهم في غير ما آية ، وجعل رضاه مُقدَّماً لهم على غيرهم من عامة الناس.
قال جل في علاه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} ([4]).
قال الشاطبي ([5]): "وما ذاك من جهة كونِهم رأوه أو جاوروه أو حاوروه فقط.
إذ لا مزية في ذلك، وإنِما هو لشدة متابعتهم له ، وأخذهم أنفسهم بالعمل على سنته ونصرته، ومن كان بِهذه المثابة حقيقٌ أن يتُخذَ قدوةً وتُجعل سيرته قبلة"([6]).
قال ابن مسعود ([7]): "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ، ثُم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه ، يقاتلون على دينه ، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ " ([8]).
قال حذيفة: "يا معشر القراء استقيموا ،وخذوا سبيل من كان قبلكم ، فوالله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً"([9]).
وقال ابن مسعود: "مَنْ كان منكم مُسْتنَّاً فليستن بمن قد مات، أولئك اصحاب محمد أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لِصُحْبةِ نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم "([10])،وأخلاقهم ظاهرةٌ واضحةٌ في محياهم وأقوالهم، وصفحات أعمالهم، وإن تاريخهم لشاهد بحقائق ذلك ووقائعه، وها هي كتب الآثار والسير قد بسطت لنا جملةً من هذه الوقائع التاريخية التي عاشوها في زمانهم ، وبهم اقتدى مَنْ بعدهم من سادة العلماء والصالحين الذين اقتفوا أثرهم، ورغبوا في أخلاقهم ، واستنوا بهديهم وسننهم الوضاءة الكريمة من إطعام الطعام، وإفشاء السلام، والحلم عن الجاهلين، والإحسان إلى المسيئين ، وصلة القاطعين، والعفو عن الظالمين ونحوها من الطبائع والخلائق الحسنة.

أكتفي بهذا القدر، وللكلام بقية أستأنفه غداً بإذن الله، وفق الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_________
([1]) أمثالهم.
([2]) يستكبرون ، وقال البغوي في تفسيره (1/ 503) : قيل : الاستنكاف هو التكبر مع الأنفة ، والاستكبار هو العلو والتكبير عن غير أنفة.اهـ
([3]) مقتبس من الدر المنثور للسيوطي (5/ 444)، دار الفكر ، بيروت ،الطبعة الأولى 1993م.
([4]) سورة التوبة ، الآية رقم (100).
([5]) أبو إسحق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي الغرناطي ، كان أصولياً مفسراً فقيهاً محدثاً لغوياً ، أخذ العربية وغيرها عن أئمة وقته ، اجتهد وبرع ، والتحق بكبار الائمة في العلوم ، من مصنفاته : شرحٌ على الخلاصة في النحو ، والموافقات في أصول الفقه ، والمجالس، وكتاب الافادات والانشادات وغير ذلك ، توفي يوم الثلاثاء من شعبان سنة 790هـ [معجم المطبوعات ليوسف إلياس (ص1090)،مصدر سابق، هداية العارفين لإسماعيل باشا (5/ 18) ،مصدر سابق].
([6]) الموافقات للشاطبي (4/ 79)، مصدر سابق.
([7]) تقدمت ترجمته (ص3).
([8]) أخرجه أحمد في مسنده [مسند عبد الله بن مسعود (1/ 379 رقم 3600)]، والأثر حسن.
([9]) أخرجه البخاري في صحيحه [ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة ، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (6/ 2656 رقم6853)].
قوله : " يا معشر القراء " بضم القاف وتشديد الراء مهموز جمع قارئ والمراد بهم : العلماء بالقرآن والسنة العبَّاد ، قوله " استقيموا " أي اسلكوا طريق الاستقامة وهي كناية عن التمسك بأمر الله تعالى فعلاً وتركاً ، وقوله " سبقتم " هو بفتح أوله كما جزم به ابن التين وحكى غيره ضمه، والأول المعتمد، وقوله " سبقاً بعيداً " أي ظاهراً ووَصَفَه بالبعد لأنه غاية شأو السابقين ،والمراد أنه خاطب بذلك من أدرك أوائل الإسلام ، فإذا تمسك بالكتاب والسنة سبق إلى كل خير لأن من جاء بعده إن عمل بعمله لم يصل إلى ما وصل إليه من سبقه إلى الإسلام والا فهو أبعد منه حساً وحكماً ، قوله " فإن أخذتم يميناً وشمالاً " أي خالفتم الأمر المذكور ، [ فيه ] الإشارة إلى فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين مضوا على الاستقامة [ فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (13/ 257)، مصدر سابق].
([10]) قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر لمحمد صديق خان القنوجي (ص165)،تحقيق عاصم عبد الله القريوتي،شركة الشرق الأوسط للطباعة ، ماركا الشمالية ، الأردن ، الطبعة الأولى ، 1404هـ.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام