الثلاثاء 5 ربيع الآخر 1446 هـ || الموافق 8 أكتوبر 2024 م


قائمة الأقسام   ||    دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية    ||    عدد المشاهدات: 5560

منشأ الخلافات في صفوف السلفيين

المقدمة
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية )
الحلقة (5)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني


يزعم بعض السياسيين ورجال الإعلام تقسيم السلفيين إلى ثلاثة أقسام: «السلفية الجديدة، والسلفية الجهادية، والسلفية السياسية»، وزاد بعضهم قسما رابعا، وهو «السلفية العلمية»، وبعضهم قسمها إلى: (سلفية مفوضة، وسلفية رافضة، وسلفية مروضة) كما بثته إحدى القنوات الفضائية من خلال برنامج لها تحت مسمى: « بلا حدود»، وهذه التقسيمات الأربع حسب دراستي المتأنية على مدار ربع قرن مجرد تخرصات من الإعلاميين وبعض المخالفين للمنهج السلفي أو للسلفيين.

والصواب أن السلفية واحدة: وهي «الجماعة الأم» وهم: من كان على ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته وغيرهم من أهل القرون المفضلة الثلاثة، ممن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، فهم ليسوا تنظيماً وليس لهم أمير، وليس عندهم بيعة، ولا رئيس أو زعيم، ولا هم حزب، وإنما يرجعون لعلماء الأمة فيما أشكل عليهم من مسائل الدين وقضاياه المختلفة منصوصةً كانت أو عارضة، ولذا فاسم السلفية منتقى من منهج السلف، فهم جماعة المسلمين التي اتخذت فهم السلف الصالح منهجاً لها عملاً بما أخرجه ابن ماجة في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بني إسرائيل افترقت إلى إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة».
وفي بعض الروايات: «وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة».
وفي رواية أخرى: «قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: ماكنت عليه أنا وأصحابي».
وهذا الحديث حسن لغيره، وله شواهد كثيرة، أوصلها بعضهم إلى درجة الصحيح لغيره(1).

وكل مسلم التزم بالكتاب والسنة فهو يحمل منهج السلف الصالح وإن لم يقل عن نفسه إنه سلفي، فليست التسمية ديناً لازما متى التزم المسلم بالشرع المطهر، ويكفي ما سمانا الله به بقوله تعالى: (هُو سَمَّاكُم المُسْلِمين) [الحج: 788]، إلا أن بعض العلماء استحب التسمية للتميز عن بقية الطوائف العقائدية الأخرى كما نقلته عن ابن تيمية وغيره في كتابي مجموع العقيدة والتوحيد وهو مطبوع متداول في الأسواق، وفي المسألة سعة، فلا إلزام في مثل ذلك طالما التزم المسلم بالشرع الحنيف.

وأما ما يسمِّيه الإعلاميون بالجماعة السلفية الجهادية فهؤلاء فئة ضالة وافقت الخوارج في كثير من أصولها المخرجة من منهج السلف، وإن تسمَّى بعضهم بالسلفيين، وهناك تنظيم القاعدة و«أنصار الشريعة؛ ومن جنسهم ظهرت داعش» ومن الغلط إلصاق هذه الفئات بمنهج السلف، لكونهم على خلاف منهج الصحابة الكرام.

 ومنهم من قال إن الإخوان المسلمين تبنوا هذا المنهج كجناح عسكري لهم بين الفينة والأخرى؛ والصحيح أنهم امتداد لفكر الخوارج الذي ظهروا في عهد علي بن ابي طالب رضي الله عنه؛ فمن انضم من السلفيين أوالاخوان المسلمين أوغيرهم لهم فقد خرج عن منهج جماعته وصار خارجيا صرفا.

وأما ما أسماه بعضهم بالسلفية الجديدة والسلفية السياسية، فهناك آراء رآها مجموعة من الدعاة السلفيين وغير السلفيين، إلا أن الأمر سهل وذلك: بردِّ كل ما خالف الكتاب والسنة، وقبول ما وافقهما، وفتح باب الحوار في الأمور المختلف فيها بين المختلفين، والفيصل الشرع، والحق أبلج، والباطل لجلج، ولكن أكثر الناس لا يعقلون.

ثم لو تأملنا واقعنا الحاضر وما فيه من الاختلافات الكثيرة في جميع الأوساط السلفية على اختلاف أعيانها وأحوالها لتأكد لنا جميعاً: أن الاختلافات والاتهامات بين السلفيين تعود لأسباب ودوافع رئيسة، وهذا يحتم وجوب تشخيص أصل المرض الذي أدى إلى هذه الفرقة والاختلاف؛ لأن تشخيصه نصف الدواء، حيث يلزم قبل الخوض في العلاج «تحرير محل النزاع» لأن الوقوف على أصل الخلاف يرشدنا لمحل النزاع الذي نشأ في الأصل من الجهل والهوى والغلو في الدين وتقديس الشخصيات من مشايخ وغيرهم، إذ معرفة ذلك يمهد للباحث المعالج إرساء المنهج القويم والمبادئ الصحيحة، والمقاصد الشرعية، وما يسوغ المخالفة فيه، وما لا يسوغ المخالفة فيه، ومن ثم معرفة طريقة التعامل الشرعي مع المخالفين، حيث يتمثل ذلك المنهج بالطريقة الصحيحة التي كان عليها النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه في دعوة الآخرين، فتظهر في أوساط الأمة المرحومة تلكم المبادئ المباركة والروابط الوثيقة كحسن الظن والتعاون على البر والتقوى والأخلاق الفاضلة والحلم والأناة والتواضع وكظم الغيظ والرحمة والشفقة ونحوها من المبادئ الشرعية الحية التي بها نعرف المقصد الشرعي المتمثل بجمع الكلمة وتوحيد الصف.

ولا يعني ذلك أن الباحث سيصل بهذه المعرفة إلى القضاء على الخلاف الذي فطرت عليه الخلائق، وإنما لأجل الوصول لأمرين:
الأول: النزول على رأي كبار العلماء المجتهدين دون غيرهم.
الثاني: إرساء مبدأ التعامل مع المخالف كيف يكون في حدود الشرع.

وهذان الأمران لا يمكن لعاقل غيور على أمته أن يظفر بهما إلا بالإخلاص والتجرد لله وحده، بعيدا عن التحزب للمشايخ والجهات وبعيدا عن العواطف الجياشة.
والله من وراء القصد
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.


(1) رواه جمع من الصحابة منهم أبو هريرة وعبد الله بن عمرو ومعاوية بن أبي سفيان وعوف بن مالك وخلق كثير، وهو مخرج في كتب السنة والمسانيد وغيرها




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام