اعتزاز المسلم بدينه أثر من آثار العقيدة والأخوة الاسلامية الصادقة
(ضمن سلسلة روابط الأخوة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة وربطها بواقع الأمة)
الحلقة رقم (62)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
هذا الأثر منبثق من رابطة العقيدة والتآزر ووقوف المسلم مع أخيه المسلم لنصرة الدين، فإنَّ من اعتز بالعبد أذله الله كما أذل المشركين والفرس والروم وعامة الكافرين الذين كانوا يعتزون برجالهم وقوتهم وملوكهم وأحزابهم، ومن اعتز بالله ودينه أعزه الله.
قال تعالى: "يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ "([1])، وقد قيل إن "العزة صفة: يرى صاحبُها أنه لا يقدر عليه غيره"([2])، لكنَّ هذا المعنى فيما إذا كان المسلم يظن أنه انتصر على عدوه بمحض إرادته وقوة عُدَّته، أما إذا ربط ذلك بالله وحده فلا تعارض لصريح الآية السابقة، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "إن الله أعزكم بالإسلام فمهما طلبتم العزة في غيره أذلكم "([3]).
ومن المعلوم أن طبائع البشر تفخر بما لديها من الأحساب والأنساب نسبةً لجذورها التاريخية التي تتحدث عن قوتها ومنعتها وجميل خصالها، ولما جاء الإسلام أقر ما كان موافقاً للفطرة غيرَ معارض للشرع ، فإن أبا سفيان([4]) قال يوم بدر [ قبل أن يسلم ] " اعْلُ هُبَلُ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه ، قالوا ما نقول؟
قال : قولوا اللّه أعْلَى وأجَلّ.
قال أبو سفيان: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه.
قالوا ما نقول ؟
قال : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم "([5]).
فذكر أبو سفيان ما يعتز به المشركون، فقابله النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بما يعتزون به لبيان أن عزة المسلم ثمرةٌ وأثرٌ عظيم من آثار وحدة المسلمين.
وقد أحسن من قال:
إذا اعتزَّ باللَه القدير مجاهدٌ... أذلَّ ألوفَ الظالمينَ مِن الجُنْدِ
أكتفي بهذا القدر، وللكلام بقية أستأنفه غداً بإذن الله، وفق الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_________
([1]) سورة المنافقين ، الآية رقم (8).
([2]) التحرير والتنوير من التفسير ، لمحمد الطاهر التونسي (2/ 271) ، دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس - 1997 م.
([3]) صيد الخاطر لابن الجوزي (ص229)،دار الكتاب العربي ،بيروت، الطبعة الأولى 1425هـ.
([4]) صخر بن حرب بن أمية أبو سفيان الأموي ، وهو والد معاوية ، أسلم عام الفتح وشهد حنيناً والطائف ، كان من المؤلفة ، ورأس المشركين يوم أحد والأحزاب ، وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم وجهه إلى مناة فهدمها ، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أم حبيبة قبل أن يسلم ، وكانت أسلمت قديماً وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة فمات هناك ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، روى عنه ابن عباس وقيس بن حازم وابنه معاوية ، مات لست خلون من خلافة عثمان [ الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (3/ 412ـ414) ، مصدر سابق].
([5]) أخرجه البخاري في صحيحه [ كتاب الجهاد والسير ، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه (3/ 1105 رقم 2874)] من حديث البراء بن عازب.