شعور المسلم بطمأنينة النفس
(ضمن سلسلة روابط الأخوة الإسلامية على ضوء الكتاب والسنة وربطها بواقع الأمة)
الحلقة رقم (63)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الطمأنينة "سكونُ أمنٍ فيه استراحةُ أُنْس"([1]) وهذا الأثر يظهر نتيجةَ سببين:
السبب الأول: لوجود ما يحمله المسلم في قلبه من إيمان.
السبب الثاني: بسبب ما يعايشه المسلم من المودة والعطف والتراحم ونحوها مما يتبادله مع أخيه المسلم.
فأما السبب الأول: فيوضحه قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} ([2]).
نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فوافقهم على ذلك مُكرهاً وجاء مُعتذراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية" ([3]).
وفي رواية "أن المشركين أخذوا عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف تجد قلبك؟"، قال: مطمئناً بالإيمان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عادوا فعد"([4]).
فكلُّ مَن آمن واستقر الإيمان في قلبه وشعر بطمأنينة نفسه وانثلاج خاطره لهذا الدين وما جاء به الوحي فقد حقق أثر الطمأنينة وانشراح الصدر.
وأما السبب الثاني: فذاك يعود إلى ما يلقاه المسلم مِنْ حُسْن المعاملة من إخوانه المسلمين حيث تطمئن نفسُه أَنَّه إنْ مرض أو غَرِمَ أو أصيب بمكروه فإن هناك من يقف معه في محنته ويواسيه بالقليل والكثير، فـ"إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد في الرأس"([5]).
و"هذا بيان لوجه الشبه، فمن آذى مؤمناً واحداً فكأنما آذى جميع المؤمنين، ومن قتل واحداً فكأنما أتلف من الجسد عضواً وآلم جميع أعضاء ذلك الجسد، ففرض على أهل الإيمان تعظيمه ورفع محله وحمل مؤونته وحفظ جانبه والتألم لألمه والسرور بسلامته والاستضاءة بنوره إلى غير ذلك، وأعضاؤه مع الرأس كالجسد"([6]).
وفي حديث آخر "المؤمن مرآة المؤمن، المؤمن أخو المؤمن يكف عنه ضيعته ([7])ويَحُوطُه من ورائه"([8]).
ومن هنا كانت "طمأنينة القلب سكونه واستقراره بزوال القلق والانزعاج والاضطراب عنه"([9]) وهي أثر من آثار هذه الروابط الأخوية.
أكتفي بهذا القدر، وللكلام بقية أستأنفه غداً بإذن الله، وفق الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
_______
([1]) منازل السائرين لعبد الله الأنصاري الهروي (ص85) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1408هـ - 1988م.
([2]) سورة النحل، الآية رقم (106).
([3]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري (14/ 181) ، مصدر سابق.
([4]) المصدر السابق (نفس الموضع).
([5]) هذا حديث أخرجه أحمد في مسنده [مسند سهل بن سعد الساعدي (5/ 340 رقم 22928)]، وهو حديث ضعيف، في إسناده: مصعب بن ثابت الأسدي، لين الحديث كما في تقريب التهذيب لابن حجر (ص 533).
([6]) فيض القدير شرح الجامع الصغير (6/ 254) ، مصدر سابق.
([7]) قوله "يكف عنه ضيعته" أي يمنع تلفه وخسرانه فهو مرآة من الضياع، وقال في النهاية: وضيعة الرجل ما يكون من معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك، أي يجمع إليه معيشته ويضمها له، وقوله "ويحوطه من ورائه" أي يحفظه ويصونه ويذب عنه بقدر الطاقة [انظر عون المعبود شرح سنن أبي داود لأبي الطيب آبادي (13/178) ، مصدر سابق].
([8]) أخرجه أبو داود في سننه [ كتاب الأدب، باب في النصيحة والحياطة (2/697 رقم 4918)]، والحديث حسن.
([9]) كتاب الروح لابن القيم (ص220)، مصدر سابق.