الاختلاف بين المشايخ بسبب تهمة بعضهم لبعض بسرقة بعض العبارات العلمية ونسبتها له
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية )
الحلقة (8)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
ما زال الحديث يتعلق بالمسائل التي شقت صفوف السلفيين في العصر الحديث، ومن ذلك المسألة التالية، وهي تعم السلفيين وغير السلفيين، لكونها أخذت حيزاً كبيراً في الصف السلفي، لكثرة مؤلفات السلفيين بخلاف غيرهم من الجماعات الأخرى، حتى فرقت هذه المسألة بين الفضلاء إلا من رحم الله، فأقول وبالله التوفيق :
هذه هي المسألة الثالثة التي بسببها حصل اختلاف كبير في أوساط الدعاة على مستوى عموم الجماعات والفرق، وبالأخص الجماعة السلفية، وهي مسألة : ” تهمة بعضهم لبعض بسرقة بعض العبارات العلمية ونسبتها له”.
فقد تبادل بعض الدعاة في العصر الحديث جملة من الاتهامات المتعلقة بهذه التهمة، من خلال المؤلفات والمقالات والدروس والندوات.
والأصل في هذه التهمة أنها مرفوضة في حق مَنْ صَيَّرهم الله حفظة لدينه؛ لأن الأصل في عموم الدعاة والمشايخ حسن الظن والأمانة العلمية، إذ قد يسقط عزو المقالة أو العبارة سهواً من المؤلف أو ممن صف الكتاب، أو قد يدمج المؤلف كلامه في بعض كلام المتقدمين من غير عزو عمداً باعتبار موافقته له حسب مقدمة كتابه، وهذا فَعَلَه كثير من المتقدمين كالشوكاني والعيني والمباركفوري صاحب تحفة الأحوذي وغيرهم كثير.
وأما سقوط عزو المقالة أو العبارة سهواً من المؤلف أو ممن صف الكتاب فعلاجه أن يسأل الناقد غيره من المؤلفين عن ذلك، فإذا اعترف له بخطئه أو بيَّن منهجه في التأليف ـ سواء ذكره في مقدمة كتابه، أو نسيه سهواً، أم ذكر سبب ذلك الخطأ فهو معذور مشكور، محمول على حسن الظن شرعا، وكما قيل:
إذا اعتذر الجاني محا العُذْرُ ذَنْبَهُ **** وكلُّ امرئٍ لا يَقبلُ العذرَ مذنبُ
وقال آخر :
إذا ما امرؤٌ مِنْ ذنبهِ جاءَ تائباً **** إليكَ فلمْ تَغفرْ لهُ فلكَ الذنبُ
أما من ثبتت عنه سرقة العبارات بالقرائن أو سرقة تخريجات الأحاديث والآثار(1)، ولم يكن له عذر قائم كسقط العزو ومنهجية الدمج ونحوها من المسوغات المذكورة آنفا، فهذه جريمة في حق الفاعل.
وهذه عادةً عُرِف بها صغار الطلاب وضعاف العلم ممن عُرِف بحب الظهور والتصدر قبل الأهلية، وهؤلاء عالة على العلم وعلى الدعاة والعلماء المخلصين، وفعلهم هذا نوعٌ يستحق فاعله الإدانة والمحاكمة لدى المحاكم الشرعية، وتحميله ما يترتب على ذلك من الحقوق العلمية والفكرية ونحوها، إذ الواجب عليه عزو العبارات والفوائد لقائلها، حتى يضع الله له البركة والقبول فيما كتب.
قال النووي رحمه الله : «ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تُستغرب إلى قائلها، فمن فعل ذلك بورك في علمه وحاله، ومن أوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حال» اهـ(2) .
وقال سفيان الثوري رحمه الله: «إن نسبة الفائدة إلى مفيدها من الصدق في العلم وشكره، وإن السكوت عن ذلك من الكذب في العلم وكفره» (3).
وهناك مسألة أخرى وهي من الخطورة بمكان: حيث انتشرت في بعض الأوساط العلمية تهمة أن كتاب فلان من الفضلاء ألفه فلان، وكتاب فلان مسروق من كتاب فلان، وآخر كلَّف شخصاً بتأليف كتاب له أو كتيب أو جزء منه مقابل مال أو غيره، وهذا إن صح شيء منه فهو جرم كبير، أكبر مما سبق ذكره، وفيه كذب وغش للأمة وتشبعٌ بالعلم والمؤلفات التي لا يملكها ذلك الفاضل، وفي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»(4) .
ومما نسمعه اليوم أن بعض طلاب الدراسات العليا يكلف أصحاب المعاهد والمراكز والشخصيات المادية بكتابة رسائلهم الجامعية » ماجستير أو دكتوراه « وهذه ـ والله ـ طامة وإهانة للعلم الذي قام على الصدق والأمانة، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه.
ولتحترموا عقول الآخرين أيها الكتبة والمتشبعون، فإن القارئ الفطن يعرف الكاتب من خلال أسلوبه وطرحه وبحثه.
فإذا اختلف الطرح والأسلوب والبحث وتغيرت صيغته بالقرائن المرشدة لاختلاف المعهود على ذلك الفاضل، شَعَر ذلك القارئ الفطن أن فلاناً لم يكتب هذا الكتاب أو النص أو العبارة، وإنما كتبها غيره.
ومما تجدر الإشارة إليه أيها الأخ الفاضل :
أنه لا حرج أن تؤلف الكتاب أو تكتب البحث، وبعد الانتهاء منه تعرضه على غيرك من الأساتذة والعلماء وطلاب العلم بقصد طلب التصويبات وما يرونه من الملاحظات، أو مطابقة الصفحات لمصادر أمهات الكتب والأجزاء.
فهذه سنة المصنفين القدماء كالبخاري ومسلم وابن حجر وغيرهم، ولا زلنا نقرأ كتب مشايخنا قبل طبعها ونلفتهم لبعض الملاحظات والتصويبات والآراء، وبهم اقتدينا بعد انتهائنا من مؤلفاتنا في أن نعرضها عليهم وعلى طلاب العلم، لأن هذا من بركة العلم، وهي صفة حميدة مشهودة، كما قاله غير واحد.
ومما لا حرج فيه : أن يكلف الشيخ أحد طلابه ببحث مسألة فقهية أو قضية منهجية أو دعوية وتزويده بأقوال العلماء فيها أو تحضير درس أو بحث حديث بطرقه أو شرحه، ثم إذا أراد الشيخ وضع شيء من ذلك في أحد مؤلفاته، فيلزمه قراءة ما كتبه الطالب أو نقله ومطابقته على الكتب ثم تنقيحه للخروج بما يراه الشيخ مما يترجح له، فإن وثق الشيخ في الطالب وأراد أن يضعه في كتابه برمته من غير مطابقة ولا تصحيح، فيلزمه في هذه الحال أن يسنده للطالب ، أو يشكر الطالب في مقدمة كتابه على بعض صنيعه في الكتاب، وهذا لا ينقص من مكانة الشيخ وكتابه الذي ألفه؛ بل يزداد الشيخ إجلالا ورفعة لدى الخلق، ” وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ” (5).
والله من وراء القصد
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.
هذه هي المسألة الثالثة التي بسببها حصل اختلاف كبير في أوساط الدعاة على مستوى عموم الجماعات والفرق، وبالأخص الجماعة السلفية، وهي مسألة : ” تهمة بعضهم لبعض بسرقة بعض العبارات العلمية ونسبتها له”.
فقد تبادل بعض الدعاة في العصر الحديث جملة من الاتهامات المتعلقة بهذه التهمة، من خلال المؤلفات والمقالات والدروس والندوات.
والأصل في هذه التهمة أنها مرفوضة في حق مَنْ صَيَّرهم الله حفظة لدينه؛ لأن الأصل في عموم الدعاة والمشايخ حسن الظن والأمانة العلمية، إذ قد يسقط عزو المقالة أو العبارة سهواً من المؤلف أو ممن صف الكتاب، أو قد يدمج المؤلف كلامه في بعض كلام المتقدمين من غير عزو عمداً باعتبار موافقته له حسب مقدمة كتابه، وهذا فَعَلَه كثير من المتقدمين كالشوكاني والعيني والمباركفوري صاحب تحفة الأحوذي وغيرهم كثير.
وأما سقوط عزو المقالة أو العبارة سهواً من المؤلف أو ممن صف الكتاب فعلاجه أن يسأل الناقد غيره من المؤلفين عن ذلك، فإذا اعترف له بخطئه أو بيَّن منهجه في التأليف ـ سواء ذكره في مقدمة كتابه، أو نسيه سهواً، أم ذكر سبب ذلك الخطأ فهو معذور مشكور، محمول على حسن الظن شرعا، وكما قيل:
إذا اعتذر الجاني محا العُذْرُ ذَنْبَهُ **** وكلُّ امرئٍ لا يَقبلُ العذرَ مذنبُ
وقال آخر :
إذا ما امرؤٌ مِنْ ذنبهِ جاءَ تائباً **** إليكَ فلمْ تَغفرْ لهُ فلكَ الذنبُ
أما من ثبتت عنه سرقة العبارات بالقرائن أو سرقة تخريجات الأحاديث والآثار(1)، ولم يكن له عذر قائم كسقط العزو ومنهجية الدمج ونحوها من المسوغات المذكورة آنفا، فهذه جريمة في حق الفاعل.
وهذه عادةً عُرِف بها صغار الطلاب وضعاف العلم ممن عُرِف بحب الظهور والتصدر قبل الأهلية، وهؤلاء عالة على العلم وعلى الدعاة والعلماء المخلصين، وفعلهم هذا نوعٌ يستحق فاعله الإدانة والمحاكمة لدى المحاكم الشرعية، وتحميله ما يترتب على ذلك من الحقوق العلمية والفكرية ونحوها، إذ الواجب عليه عزو العبارات والفوائد لقائلها، حتى يضع الله له البركة والقبول فيما كتب.
قال النووي رحمه الله : «ومن النصيحة أن تضاف الفائدة التي تُستغرب إلى قائلها، فمن فعل ذلك بورك في علمه وحاله، ومن أوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حال» اهـ(2) .
وقال سفيان الثوري رحمه الله: «إن نسبة الفائدة إلى مفيدها من الصدق في العلم وشكره، وإن السكوت عن ذلك من الكذب في العلم وكفره» (3).
وهناك مسألة أخرى وهي من الخطورة بمكان: حيث انتشرت في بعض الأوساط العلمية تهمة أن كتاب فلان من الفضلاء ألفه فلان، وكتاب فلان مسروق من كتاب فلان، وآخر كلَّف شخصاً بتأليف كتاب له أو كتيب أو جزء منه مقابل مال أو غيره، وهذا إن صح شيء منه فهو جرم كبير، أكبر مما سبق ذكره، وفيه كذب وغش للأمة وتشبعٌ بالعلم والمؤلفات التي لا يملكها ذلك الفاضل، وفي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور»(4) .
ومما نسمعه اليوم أن بعض طلاب الدراسات العليا يكلف أصحاب المعاهد والمراكز والشخصيات المادية بكتابة رسائلهم الجامعية » ماجستير أو دكتوراه « وهذه ـ والله ـ طامة وإهانة للعلم الذي قام على الصدق والأمانة، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه.
ولتحترموا عقول الآخرين أيها الكتبة والمتشبعون، فإن القارئ الفطن يعرف الكاتب من خلال أسلوبه وطرحه وبحثه.
فإذا اختلف الطرح والأسلوب والبحث وتغيرت صيغته بالقرائن المرشدة لاختلاف المعهود على ذلك الفاضل، شَعَر ذلك القارئ الفطن أن فلاناً لم يكتب هذا الكتاب أو النص أو العبارة، وإنما كتبها غيره.
ومما تجدر الإشارة إليه أيها الأخ الفاضل :
أنه لا حرج أن تؤلف الكتاب أو تكتب البحث، وبعد الانتهاء منه تعرضه على غيرك من الأساتذة والعلماء وطلاب العلم بقصد طلب التصويبات وما يرونه من الملاحظات، أو مطابقة الصفحات لمصادر أمهات الكتب والأجزاء.
فهذه سنة المصنفين القدماء كالبخاري ومسلم وابن حجر وغيرهم، ولا زلنا نقرأ كتب مشايخنا قبل طبعها ونلفتهم لبعض الملاحظات والتصويبات والآراء، وبهم اقتدينا بعد انتهائنا من مؤلفاتنا في أن نعرضها عليهم وعلى طلاب العلم، لأن هذا من بركة العلم، وهي صفة حميدة مشهودة، كما قاله غير واحد.
ومما لا حرج فيه : أن يكلف الشيخ أحد طلابه ببحث مسألة فقهية أو قضية منهجية أو دعوية وتزويده بأقوال العلماء فيها أو تحضير درس أو بحث حديث بطرقه أو شرحه، ثم إذا أراد الشيخ وضع شيء من ذلك في أحد مؤلفاته، فيلزمه قراءة ما كتبه الطالب أو نقله ومطابقته على الكتب ثم تنقيحه للخروج بما يراه الشيخ مما يترجح له، فإن وثق الشيخ في الطالب وأراد أن يضعه في كتابه برمته من غير مطابقة ولا تصحيح، فيلزمه في هذه الحال أن يسنده للطالب ، أو يشكر الطالب في مقدمة كتابه على بعض صنيعه في الكتاب، وهذا لا ينقص من مكانة الشيخ وكتابه الذي ألفه؛ بل يزداد الشيخ إجلالا ورفعة لدى الخلق، ” وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ” (5).
والله من وراء القصد
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.
(1) من السرقات في العصر الحديث أن يقوم باحث بتأليف رسالة علمية تشتمل على تخريج الأحاديث والآثار في مسألة ما أو مسائل عدة، فيأتي شخص بسرقة البحث جله، مع تقديم بعض العبارات وتأخير أخرى واختلاف بعض النقولات وتغيير الأصول المعتمدة، مع إضافة بعض الزيادات في الأصل والحواشي ومزجها ببعض المصادر المختلفة الطبع، فيخرج الكتاب للناس على أنه من صنيعه، معتقدا أن الباحثين وحذّاق التخريج لا يتفطنون لمثل هذا الصنيع المخل بمهنية وعلمية هذا الصنف من الناس، فكيف لو أضيفت قرائن أخرى وشهادات وافية تدينه إدانة شرعية وتسلبه الثقة والمصداقية العلمية، وفي الحديث المتفق عليه من حديث أسماء، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور».
(2) النووي، بستان العارفين، صفحة (١٥،١٦).
(3) العجلوني، كشف الخفاء (برقم ٧٧٦).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب النكاح، باب المتشبع بما لم ينل، وما ينهى من افتخار الضرة (٧/٣٥ حديث رقم ٥٢١٩)، ومسلم في صحيحه [ كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع بما لم يعط (٣/١٦٨١ حديث رقم ٢١٢٩) كلاهما من حديث أسماء]، وهو متفق عليه.
(5) أخرجه مسلم في صحيحه [ كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الغيبة ( ٤/ ٢٠٠١ حديث رقم ٢٠٨٨)]