هل حكم النجاشي قومه النصارى بغير ما أنزل الله؟
(ضمن سلسلة الثقافة الاسلامية وقضايا العصر)
الحلقة رقم (4)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
النجاشي حاكم عادل، ومسلم كتم إيمانه عن قومه لحكمة رآها والوحي يتنزل، ولم يصح عنه أنه حكم بما أنزل الله وفقاً لنصوص الكتاب والسنة، وإنما حكم قومه بأحكام أقام فيها العدل حسب تمكنه ولم يتمكن من الحكم بما أنزل الله وفقاً لنصوص الكتاب والسنة رغم كفره بالنصرانية وما فيها من أحكام محرفة لأن الإنجيل محرف وتتنافى احكامه مع الإسلام، وقد بقي حاكماً على أهل الحبشة ولم يتنازل عن السلطة باعتبار أن وجوده على هرم السلطة وكتمانه لإيمانه لإقامة العدل خير من تنازله حتى ينفع الله به، ومع ذلك صلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام عليه لما مات حيث لم يكن هناك من يصلي عليه؛ فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة؛ وخرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفاً، وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات، وقال: "إن أخاً لكم صالحاً من أهل الحبشة مات" [أخرجه البخاري في صحيحه].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية (5/111): "والنَّجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن؛ فإنَّ قومه لا يقرونه على ذلك، وكثيرًا ما يتولى الرجل بين المسلمينوالتتار قاضياً، بل وإماماً، وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها؛ فلا يمكنه ذلك. بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها... ثم قال رحمه الله: فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا مع شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه؛ بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم به" اهـ.
فالذي كان من النجاشي غير مسوغ للأنظمة الوضعية أن تحكمنا بالعلمانية واللبرالية ونحوها من الأنظمة التي جاءتنا من أعداء الاسلام، فقد أسلم وكتم اسلامه، وأقام العدل، ولم يدع إلى الرذيلة والفسق والفجور ومحاربة دين الله، بخلاف الأنظمة الوضعية التي تتصادم مع الشرع المطهر، وتحارب كل فضيلة، ولم يتمكن رحمه الله من معرفة الاسلام بكل أحكامه حتى يحكم قومه النصارى بما أنزل الله وفقاً لأدلة الكتاب والسنة.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم