فتوى حول ترشيح الإخوان المسلمين بتونس يهودياً على رأس قائمة الإنتخابات البلدية
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س 204: ما رأي الشرع في ترشيح الإخوان المسلمين بتونس يهودياً على رأس قائمة الإنتخابات البلدية؟ وهل هذا يؤكد بأن لهم علاقة باليهود وأنهم مدعومون منهم؟
ج 204: أولاً: لا شك أن هذا منكر عظيم، يجب انكاره شرعاً، وهو خلط منهجي يتنافى مع منهج الاسلام وقواعده الشرعية، كما يتنافى مع منهج التصفية والتربية.
ثانياً: الإخوان المسلمون كغيرهم من المسلمين الغيورين على دينهم، وهم من أشد الناس عداوة لليهود، وقد شاركوا في حرب النكبة عام 1948م ضد الصهاينة كما نقلت ذلك عنهم في مقالاتي في التاريخ السياسي، ولهم كتابات في هذا الباب يُشكرون عليها، لكن ترشيحهم لرجل من اليهود - وللأسف - غطاء سياسي غير منضبط بضوابط الشرع وقواعده لكي يظهروا لأمريكا ودول الغرب واليهود أنهم منفتحون وليسوا أعداء لأحد أمام الأنظمة الغربية التي تفرضها دول الغرب في البلاد الإسلامية.
ولذا لا يُستبعد منهم مثل ذلك، فقد سبقهم إلى ما هو أعظم من ذلك أمير الجماعة ومؤسسها الأستاذ حسن البنا رحمه الله حيث نقل محمود عبد الحليم - وهو من أعمده الإخوان المسلمين - ما سمعه بنفسه من محاضرة الشيخ حسن البنا - رحمه الله - قوله : "فأقرر أن خصومتنا لليهود ليست دينية؛ لأن القرآن حضَّ على مصافاتهم ومصادقتهم، والإسلامُ شريعةٌ إنسانيةٌ قبل أن يكون شريعةً قوميةً، وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقاً فقال: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) سورة العنكبوت، الآية: 46. وحينما أراد القرآن الكريم أن يتناول مسألة اليهود تناولها من الوجهةِ الاقتصادية! والقانونية!!"، المصدر [أحداث صنعت التاريخ" لعبد الحليم محمود (1/409-410)].
وقال الرئيس المنقلب عليه "محمد مرسي رحمه الله [كما شاهدناه من خلال مقابلة تلفزيونية على قناة المحور، والمادة محفوظة على اليوتيوب] : "لا يوجد خلاف عقائدي بين المسلمين والمسيحين، وإنما هو خلاف ديناميكي آليات ووسائل"اهـ.
وقال أيضاً [من خلال مقابلة تلفزيونية على قناة الحياة، والمادة محفوظة على اليوتيوب] : "قطع يد السارق ليس من الشريعة، وإنما هو أحكام فقه"اهـ.
وبعدما أن قامت ثورة الربيع عام 2011م بمصر على الرئيس محمد حسني مبارك، وتم تأسيس حزب الحرية والعدالة عين الإخوان المسلمون الدكتور النصراني الديني الانجيلي رفيق حبيب نائباً لرئيس الحزب، ثم عينه الرئيس محمد مرسي مستشارا له في الفريق الرئاسي.
وأيضاً الأستاذ حسن البنا رحمه الله أيد قديماً في أوائل شهر فبراير عام 1942م عميل بريطانيا وزعيم حزب الوفد المصري مصطفى النحاس باشا رئيساً للوزراء ضد إرادة ولي أمره بمصر الملك فاروق، رغم أن بريطانيا فرضت النحاس بالقوة بعد اقتحامها باحة قصر عابدين بالقاهرة ورغم أن أغلبية المصريين ضد العميل البريطاني النحاس. لكن المقايضة السياسية لمصلحة التنظيم على حساب الدين والمجتمع عند الإخوان فوق كل اعتبار سواء كان دينياً أو شعبياً أو وطنياً لمصلحة حزب الجماعة.
فهذا التخبط المنهجي يضر الحركة الإسلامية ويبين أنها حركة قائمة على قش هش، وأن القيادة فيها ليست لمن يُظن فيه الخير من الدعاة المتعاطفين مع الجماعة، بل بأيدي قادة لا صلة لهم بالعلم الشرعي ولا صلة لهم بالمنهج السوي الذي ينضبط بقواعد وأصول الاسلام.
ثم الأستاذ حسن البنا وغيره من القادة إلى اليوم يعلمون أن مثل هذه التصرفات تتصادم مع أصول الدين، وأنهم بصنيعهم هذا لن يضحكوا على العدو، ولن يكسبوا رضاه، لأن الله عز وجل يقول: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم".
فالواجب التميز والتصفية والتربية، أما جمع الأصدقاء والأعداء في حزب واحد لأجل ارضاء المجتمع وأعداء الدين على حساب دين الله فإنه سبب لسخط الله، ومن سخط الله عليه أسخط عليه الخلق، وأبغضه أهل الأرض، وامتنع التمكين له عقابة لبعده عن الدين، وهذا ما يعايشه الإخوان المسلمون اليوم من سخط الأمة عليهم بسبب عدم تمسكهم بالدين وخلطهم العقدي والمنهجي المنافي لشريعة رب العالمين.
ولا يُستبعد مع مرور الزمن أن يخطو أدعياء السلفية الديمقراطية الحزبية خطاهم كحزب النور السلفي بمصر وحزب الرشاد السلفي باليمن، فهذان حزبان ديمقراطيان لا صلة لهما بالمنهج السلفي البتة، ولو اندمجوا مع الإخوان المسلمين في حزبهم لكان خيراً لهم بدلاً من تشويه منهج السلف بالتحزب والطائفية المنهجية.
ولذا ثقوا - إخواني في الله - أنه لن يصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فقد بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء، وبالله التوفيق.