فتوى حول الإنتخابات الرئاسية التركية، وترشيح الرئيس الحالي طيب رجب أوردغان لولاية جديدة
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س 218: سيدي الفاضل لقد تقرر موعد الإنتخابات الرئاسية التركية في يوم 24 حزيران من هذا العام، ولعله لا يخفى على سيادة حضرتك الشريفة أن الرئيس الحالي طيب رجب أوردغان مرشح لرئاسة دورة جديدة، وينافسه مجموعة السادات المرشحين وعلى رأسهم "تمل قره ملا أوغلو" رئيس حزب السعادة الإسلامي الذي أسسه المعلم الأكبر الدكتور "نجم الدين أربكان" رحمه الله، والذي انشق عنه طيب رجب أردغان وفرق كلمة طلاب أستاذه نجم الدين لأجل الدنيا، رغم أنه لم يوصله لرئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية سوى زملائه أمثال أحمد أوغلو والرئيس السابق عبد الله كول، ولعلم سيادة حضرتك أن الرئيس طيب رجب أوردغان ما زال على علمانيته وإن أظهر شيئاً من إسلاميته، فالمحاكم ما زالت علمانية بتركيا، والحكم العام للعلمانيين، وأيضاً أنه تحالف مع العلمانيين كحزب الحركة القومية والوحدة الكبرى، وقد رأينا كعرب أتراك ترشيح الزعيم "تمل قره ملا أوغلو" رئيس حزب السعادة الإسلامي، وناظرين رأيك الشرعي في هذه المعضلة؟
ج 218: إذا رشحتم "تمل قره ملا أوغلو" فاعلموا أنكم للفشل أقرب، فحزب السعادة الذي حل محل حزب الفضيلة حزب ضعيف جداً، وليست له شعبية قوية في الأوساط التركية، ومعنى ذلك أنكم ضيعتم أصواتكم بلا فائدة، ولذا فأقوى الأحزاب التركية الحالية حزبان: حزب العدالة والتنمية الذي مرشحه الرئيس طيب رجب أوردغان، وحزب الشعب الجمهوري الذي مرشحه العلماني: محرم إنجه، وهناك حزب لا يستهان به جديد وهو مدعوم عالمياً بقوة ألا وهو حزب الجيد، الذي مرشحته المرأة العلمانية: ميرال أكشينار، وقد انشقت عن حزب العدالة والتنمية رغم أنها شاركت في تأسيس حزب العدالة.
فلا ترشحوا سوى الرئيس طيب رجب أوردغان فهو خير من غيره على ما فيه من قصور وتفريط، فقد نفع الله به في مواضع كثيرة، منها تقليل الفساد والفسق والفجور الذي كنا نراه بتركيا قبل استلامه للرئاسة، ولذا فقد ترجحت المصلحة على المفسدة في هذا الباب، وقد نصت القاعدة الفقهية على: "أنها لو اجتمعت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما"، وأيضاً قاعدة "أن الأخذ بأعظم المصلحتين جائز عند دفع أعظم المفسدتين"، وكذلك قاعدة "ارتكاب أخف الضررين للتخلص من أشدهما"، وكذلك من باب: "حنانيك بعض الشر أهون من بعض".
وأنا ضد التعددية الحزبية وضد الانتخابات الديمقراطية لأنها تتصادم مع الإسلام لكن صارت الإنتخابات مفروضة على الأتراك اليوم فيلزم إنكارها كمنكر قائم مفروض على الشعوب، مع التعامل معها وفقاً للشريعة الإسلامية التي قامت على قاعدة: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وقاعدة: "وجوب درء الشر بما يزيله أو يخففه، أما درء الشر بشر أكثر، فلا يجوز بإجماع المسلمين".
فالشريعة الإسلامية بكل أحكامها وأوامرها ونواهيها جاءت لتحقيق المصالح للعباد وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها بما لا يتصادم مع النصوص الشرعية العامة، ولو كان في هذه الشريعة شيء خلاف المصلحة، لم يصح وصفها بأنها شريعة سمحة مطهرة.
فيختار أفراد المجتمع التركي الأصلح والأنفع والأقوى للعباد والبلاد وفق ما تدعو له المصلحة، وتُدفع به المفسدة.
ولذا سمعت مرة أستاذ المحدثين الشيخ الألباني يقول في مثل هذه العويصة: "حينئذ يجب علينا أن نختار من هؤلاء الذين نزلوا في ساحة الانتخابات، نختار منهم الأصلح، ولا نفسح المجال لدخول الشيوعيين والبعثيين والدهريين والزنادقة ونحو ذلك"(1).
أما أن حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه الرئيس طيب رجب أوردغان تحالف مع بعض العلمانيين، فإن حزب السعادة الإسلامي وعلى رأسهم: "الرئيس السابق عبد الله كول، ورئيس الحزب: تمل قره ملا أوغلو" قاموا بما هو أكثر جرماً حيث تحالفوا مع أحزاب علمانية أكثر وأشد ضرراً على الإسلام وأهله، وذلك أن حزب السعادة تحالف مع بقية الأحزاب العلمانية التي عرفت قديماً وحديثاً بعداوتها للإسلام والمسلمين، ولا أقصد بذلك تزكية تحالف حزب العدالة، لكن المقصود بارك الله فيكم: أن حزب السعادة الإسلامي تجرأ على ما هو أفضع، وأيضاً ليست له حاضنة شعبية، وهو للفشل أقرب، ولذا فقفوا صفاً واحداً في هذه الدورة الإنتخابية مع الرئيس طيب رجب أوردغان ورشحوه للرئاسة، درءاً لأعظم المفاسد وجلباً للمصالح العامة المترتبة للوطن والشعب التركي المسلم، لأنه لا بديل أقوى وأكثر إيجابية من بين المرشحين سواه، فأنتم الآن أمام خيارين، الأول: عودة العلمانية مائة بالمائة، والثاني: ضعفها وتخفيف الشر، و"لا يُلدغ المؤمن من جُحر مرتين"، وبالله التوفيق.
____
(1) الألباني، سلسلة الهدى والنور - الشريط رقم: (221).