الحلقة (5)
القاعدة الخامسة
ما مات رسولنا عليه الصلاة والسلام حتى بين لنا ما يختص بالعقيدة والتوحيد بياناً شافياً كافياً
فهو القائل صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء"([1]).
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إنه ليس شيء يقربكم من الجنة، ويباعدكم من النار، إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم من النار، ويباعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه، وأن الروح الأمين نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته"([2]).
وفي الصحيحين من حديث جابر يقول النبي عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع: ".. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله ، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟
قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأَدّيت، ونصحت.
فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات"([3]).
وأخرج مسلم في صحيحه عن سلمان قال قيل له: "قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة([4]), قال فقال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط، أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع، أو بعظم"([5]) .
وعن أبي الدرداء قال: "لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في السماء طائر يطير بجناحيه، إلا ذكر لنا منه علماً"([6]).
وقال صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي([7]).
وقال صلى الله عليه وسلم في معرض بيانه للفرقة الناجية: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)([8]).
وكل ما سبق مصداقٌ لقوله سبحانه وتعالى: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ([9]) مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"([10]).
ولقوله تعالى: " قد أنزل الله إليكم ذكراً: رسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ([11])
وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً"([12]).
فما مات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، فمن ابتغ الدين الحق وجده فيما جاء به هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، ومن أعرض عنه فقد أعرض عن سعادة الوحي.
"ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً([13])، وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، َقالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى"([14]).
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
([1]) أخرجه ابن ماجة في سننه باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/4 رقم 5 ) وغيره ، والحديث حسن .
([2]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، ما ذكر عن نبينا (7/79 رقم 34332) وغيره والحديث صحيح لغيره.
([3]) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الحج ، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/890 رقم 1218).
([4]) التخلي والقعود للحاجة.
([5]) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الطهارة ، باب الاستطابة (1/223 رقم 262) .
([6]) أخرجه ابن حبان في صحيحه كتاب العلم ، باب الزجر عن كتبة المرء السنن مخافة أن يتكل عليها دون الحفظ لها (1/267 رقم 65) وغيره وهو صحيح .
([7]) أخرجه الدارقطني في سننه (4/245 رقم 149) بنحوه ، والبيهقي في السنن الكبرى (10/114 رقم 20123، 20124) بنحوه وغيرهما، والحديث حسن .
([8]) أخرجه الترمذي في سننه كتاب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة (5/26 رقم 2641) ، والحديث حسن .
([9]) انقطاع من إرسال الرسل.
([10]) سورة المائدة ، الآية رقم : 19.
([11]) من الشرك والمعصية والعقاب إلى الطاعة والثواب.
([12]) سورة الطلاق ، الآيتان رقم : 10ـ11.
([13]) ضيقة شديدة.
([14]) سورة طه الآيتان رقم : 24ـ26.