ظهر في صفوف السلفيين من ينكر على إخوانه الذين ينقلون في كتبهم بعض الفوائد العلمية الموافقة للكتاب والسنة من كتب بعض من قالوا فيه مبتدع أو حزبي بغض النظر أصابوا في التهمة أم أخطأوا.
في الوقت نفسه يرون جواز نقل الحق والراجح من كتب المتقدمين حتى ولو كانوا من أهل الأهواء؛ طالما الفائدة موافقة للكتاب والسنة، والبعض يمنع ذلك مطلقاً، بل يقول لا يحل النقل حتى الفائدة الموافقة للكتاب والسنة لأن الإنسان لا يملك قلبه فقد يزيغ بسبب مقولة تعجبه.
والصواب : لا بد من تفصيل، فإذا سلم النقل من البدعة أو الدعوة إلى التحزب والضلالات، وكان الناقل من أهل العلم ولفائدة تنصر الحق وأهله فلا بأس بذلك، ولا يزال علماؤنا ينقلون العلم ويأخذونه من مشارب مختلفة، طالما لم يتعارض مع نصوص الشرع المطهر، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري يقول النبي عليه الصلاة والسلام : ” إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر”.
قال ابن تيمية في كتابه منهاج السنة (2/324- 325) : ” ونحن إنما نرد من أقوال هذا وغيره ما كان باطلاً وأما الحق فعلينا أن نقبله من كل قائل”.
ولنضرب أمثلة على ما تقدم :
أولاً: جميع من نعرف من علماء الاسلام المعاصرين والمتقدمين ينقلون في بعض كتبهم كلمات فيها زهد ونصح ووعظ لقتادة بن دعامة السدوسي وهو ثقة مدلس في الرواية ومتهم في عقيدته بالقدر، ومع ذلك قال عنه الذهبي رحمه الله في كتابه سير أعلام النبلاء (5/2711) : ” إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زلـله ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك”اهـ
ومثل قتادة أيضاً مجموعة ممن عرفوا بالبدعة وما زال علماؤنا ينقلون عنهم في كتبهم ويستشهدون بكلامهم، ومن هؤلاء الحسن البصري وأبو الفرج ابن الجوزي صاحب كتاب صيد الخاطر، وهناك شعراء فحول أصحاب عقائد فاسدة، وكثيراً ما نستشهد بشعرهم في مواطن الحق كجميل بثينة وأبي نواس والمتنبي، بل ونثني على بعض كلامهم في الكتب وأثناء المحاضرات والخطب اقتداء بعلمائنا المعاصرين والمتقدمين.
ثانياً: ما زال علماء الاسلام المعاصرون والمتقدمون ينقلون في بعض كتبهم عن من تلوث ببدعة أو ضلالة كثيراً من الترجيحات اللغوية والفقهية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها ما هو تفسير للقرآن والسنة، فيقدمون القول الراجح في المسألة حتى وإن كان الحق والراجح مع من عرف بالبدعة طالما وقوله موافق لأدلة الشرع المطهر، ولذا قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي – رحمة الله عليه – في مقدمة أضواء البيان (1/4) : ” ونرجح ما ظهر لنا أنه الراجح بالدليل من غير تعصب لمذهب معين، ولا لقول قائل معين، لأننا ننظر الى ذات القول لا إلى قائله”، ثم قال رحمه الله : “ومعلوم أن الحق حق ولو كان قائله حقيرًا ، ألا ترى أن ملكة سبأ في حال كونها تسجد للشمس من دون الله هي وقومها لما قالت كلاماً حقاً صدقها الله فيه، ولم يكن كفرها مانعاً من تصديقها في الحق الذي قالته” اهـ.
وقال ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/82): ” فعلى المسلم أن يتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قبول الحق ممن جاء به من ولي وعدو وحبيب وبغيض وبر وفاجر، ويرد الباطل على من قاله كائنا من كان “اهـ
والحاصل يا إخواني : أنه يتم تحذير العوام وصغار الطلاب والذي ما زال متوسطاً في طلب العلم من قراءة كتب الضلال التي تدعو إلى التحزب أو إلى البدع أو إلى المذاهب الهدامة حتى لا يتأثر بها فيزيغ لقلة علمه، أما المتمكن في علوم الشريعة أو المثقف المدرك للواقع والأخطار او طالب العلم القوي وكذا من أراد من أهل العلم وطلابه المتمكنين أن يقرأها وينتقي بعض الفوائد وخاصة لو الكتاب في الفقه او التفسير او الأدب او الأنساب ونحوها او اراد ان يقرا للرد على مؤلفيها حتى يدفع ضلالهم عن الأمة فلا حرج في ذلك.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه شرح لمعة الاعتقاد صفحة (100): “ومِنْ هَجْرِ أهل البدع : ترك النظر في كتبهم خوفاً من الفتنة بها ، أو ترويجها بين الناس ، فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب لقوله صلى الله عليه وسلم في الدجال “من سمع به فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات”. “رواه أبو داوود ، لكن إن كان الغرض من النظر في كتبهم معرفة بدعتهم للرد عليها فلا بأس بذلك لمن كان عنده من العقيدة الصحيحة ما يتحصن به وكان قادراً على الرد عليهم ، بل ربما كان واجباً ، لأن رد البدعة واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.”اهـ
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد