وصف الدعاة بالحزبية بدعوى وجود التنظيم الإداري
(ضمن موضوع دراسات منهجية في ظل الانحرافات الفكرية)
الحلقة (20)
بقلم د. صادق بن محمد البيضاني
العمل الجماعي وتنظيمه وفق الشريعة الغراء من الأمور المقربة إلى الله سبحانه ، متى خلا من الحزبيات والولاءات الضيقة، فليس كل من دعا إلى التنظيم يكون حزبياً كما يدَّعيه بعض الفضلاء.
فمما لا يخفى على العلماء أن الإسلام دين الالتزام والنظام السائد على البشرية جمعاء، وقد سمحت الشريعة الغراء باستخدام كافة الطرق والوسائل المباحة في الدعوة إلى الله، ومن ذلك تنظيم العمل الدعوي الجماعي، فتقوم الجامعة مثلا أو المعهد أو المركز أو القائم على تدريس الطلاب بالمسجد أو المنزل بترتيب طلابه وتقسيمهم إلى حلقات، كلٌ حسب مستواه العلمي، ويقوم بتعيين المعلمين الأكفاء لتدريس الطلاب حسب المواد العلمية المقررة، كما يوزع القائم عليهم بعض المحاضرين والخطباء على المساجد وأماكن تجمعات الناس، ويخصص لهم الموضوعات المناسبة حسب الزمان والمكان، ومنها أن يعقد الشيخ أو مدير الجامعة أو المركز مجالس خاصة بكبار المعلمين كل أسبوع أو شهرياً لمدارسة أوضاع الطلاب والتعليم والدعوة، طرح بعض الخطط المستقبلية المشروعة لإنجاح مسار التعليم والدعوة إلى الله، ونحوها.
ومن الجائز أيضا تنظيم الوقف وأعمال البر ونحوهما من المشاريع والجمعيات الخيرية بعمل رئيس مجلس إدارة وأعضاء جمعية عمومية وتأسيسية ومدير عام ومدراء مالية وإدارية وإعلام وعلاقات ونحوها، فهذه الأمور وما أشبهها مما لا ينافي الشريعة الإسلامية، وهي وسائل جائزة دفعاً للفوضى السائدة في أوساط الدعاة والمتعلمين.
يقول شيخنا مقبل الوادعي رحمه الله: « الذي ينكر التنظيم، وينكر العمل الجماعي ليس من أهل السنة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً»([1])،ورب العزة يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [ المائدة:2] ([2]).
أما التنظيم المسمى اليوم بالهرمي والذي يخضع في الحضر لأمير يبايعه أو يعاهده على السمع والطاعة جماعة معينة أو أعضاء مركز أو جمعية أو محفل ونحوها، فلا يقطعون في أمر من الأمور إلا به، فهذا أمر محدث ما أنزل الله به من سلطان، وهو وسيلة للتنصل عن بيعة ولي الأمر الشرعي ” حاكم البلاد” ووسيلة لتخصيص الولاء وتضييقه في أعضاء منتسبين لهذا النظام، وهو التحزب بعينه.
قال الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله: «الحزبية والتنظيم الذي يفرق الأمة ويجعلها فرقاً متعادية، يبغض بعضها بعضاً ويتنكر بعضها لبعض، فكل حزب يرى أن الحق ما هو عليه دون غيره، فيتعاطفون ويتناصرون فيما بينهم، بيد أنهم لا يفعلون ذلك مع غير حزبهم، وهذه بدعة تشطر الأمة وتفرقها رغم أن الأمة واحدة بحسب التوجيه القرآني الكريم.
قال تعالى: (إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ )[ الأنبياء:92] ([3]).
وقال الشيخ صالح بن سعد السحيمي: « ومن هنا نقول أيضاً : إن الإسلام يمقت جميع الروابط التي تقوم على أحلاف حزبية أو طائفية مهما ادَّعى أصحاب تلك الأحلاف من حسن النية وسمو المقصد، فقد ربط الإسلام المسلمين برابطة عظيمة بحيث لا يمكن لأي تنظيم وضعي مهما حصل له من القوة والدقة أن يصل إلى مثلها، وإن العلاقة أو الأخوة الإسلامية هي أساس الولاء والبراء في الإسلام، فالمسلم ولي المسلم سواء عرفه أو لم يعرفه؛ بل لوكان أحدهما في المشرق والآخر في المغرب، وهذا يعني أن الإسلام لا يحتمل داخله تنظيما آخر بحيث تكون أسس ذلك التنظيم وقواعده أساساً للولاء والبراء، لأن هذا النوع من التنظيم يقتضي أن من انتظم فيه يستحق العون والنصرة وغيرها من الحقوق، مع أن الإسلام أعطى المسلم جميع هذه الحقوق لمجرد كونه مسلماً لا لسبب آخر»([4]).
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: « فيجب على طالب العلم أن يتخلى عن: الطائفية والحزبية بحيث يعقد الولاء والبراء على طائفة معينة أو على حزب معين، فهذا لا شك خلاف منهج السلف، فالسلف الصالح ليسوا أحزاباً بل هم حزب واحد، ينضوون تحت قول الله عز وجل (هو سماكم المسلمين من قبل)[ الحج: 78].
فلا حزبية ولا تعدد، ولا موالاة، ولا معاداة إلا على حسب ما جاء في الكتاب والسنة»([5]).
والحاصل: أن التنظيم الإداري وتقسيم مهامه الدعوية والعلمية مباح بكل الوسائل والطرق العصرية إذا سلم من عقد الولاءات الضيقة وسلم من مخالفة أدلة الكتاب والسنة.
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
وللكلام بقية، استأنفه بمشيئة الله في حلقة الغد.
——- الحواشي ——-
([1]) متفق عليه.
([2]) مقبل الوادعي، فتوى صوتية بعنوان: »كيف يكون التنظيم للعمل الدعوي، فنحن نعلم أن لا عمل بدون تنظيم، وما هو الفارق الحقيقي بين النتظيم والحزبية؟«.
([3]) النجمي، المورد العذب الزلال فيما انتقد على بعض المناهج الدعوية من العقائد والأعمال (ص١٩٥).
([4]) سعد بن عبد الرحمن الحصين، منتقى من تقريظ كتاب «حقيقة الدعوة إلى الله تعالى».
([5]) محمد بن صالح العثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين ٢٦/٢٤٠)