هل إقامة الموالد أمر مشروع؟
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س 314: ما هو حكم الموالد، وهل ذلك من السنة؟ وما حكم تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بـ سيدنا، وحبيبنا ومصطفانا؟
ج 314: المقصود بالموالد ما يفعله بعض المبتدعة والمتصوفة من الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واتخاذ يوم ولادته عيدًا مشتملاً على البدع والضلالات وربما الشركيات.
وهذه طريقة النصارى في أنبيائهم وعظمائهم وهي طريقة مبتدعة فإن نبينا عليه الصلاة والسلام يقول كما في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدًا(1)، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم"(2).
والمبتدعة اتخذوا قبر رسول الله عليه الصلاة والسلام عيدًا ومزارًا وهذا هو عين التعظيم الذي أدخله النصارى وعظموا فيه عيسى ابن مريم حتى قالوا هو ابن الله.
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُطْرُونِي(3) كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبدُهُ فقولوا عبد الله ورسوله"(4).
وأعياد الميلاد لا شك أنها من الإطراء والأمور المبتدعة التي لم تعرف عن سلفنا الصالح.
وقد يقول قائل ولكن الاحتفال بميلاد رسول الله عليه الصلاة والسلام من الخير لأننا نتذكر سيرته وكفاحه ودعوته وعلمه.
فيجاب عليه: هل هذا الخير علمه رسول الله عليه الصلاة والسلام؟
فسيجيب: لا محالة ما علمه رسول الله عليه الصلاة والسلام.
فيقال: وهل علمه صحابته رضوان الله عليهم؟
فسيجيب: أيضًا لا محالة ما علمه صحابته رضوان الله عليهم.
فيقال له: فشيء ما علمه رسول الله عليه الصلاة والسلام وما علمه صحابته رضوان الله عليهم فكيف تعلمه أنت؟!
فإن قال جدلًا: علمه رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلمه صحابته رضوان الله عليهم؟
فيقال له: لو سلمنا أنه علمه رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلمه صحابته رضوان الله عليهم فهل وسعهم أن يعملوا به أم لم يسعهم.
فسيقول: لا محالة ما وسعهم أن يعملوا به.
فيقال له: فشيء ما وسعهم أن يعملوا به فكيف يسعك أنت وهم خير مني ومنك.
ثم يقال له: لا يلزم من كل خير يعتقده الشخص أن يكون جائزًا في الدين لأن الدين كامل والزيادة منا توهم الغير أنه ناقص وهذا أمر خطير فإن نبينا عليه الصلاة والسلام ما مات حتى أتم الله دينه ورسالته وفي ذلك يقول جل شأنه: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا"(5).
وهو القائل صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء(6)"(7).
وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "إنه ليس شيء يقربكم من الجنة، ويباعدكم من النار، إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم من النار، ويباعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه، وأن الروح الأمين(8) نفث في روعي(9) أنه لن تموت نفسي حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله، وأجملوا(10) في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته"(11).
وفي صحيح مسلم من حديث جابر يقول النبي عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع: ".. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟"
قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأَدّيت، ونصحت.
فقال: بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس: "اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات"(12).
وأخرج مسلم في صحيحه عن سلمان قال: قيل له: قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخرَاءَة(13)، قال فقال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط(14)، أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع(15)، أو بعظم(16).
وعن أبي الدرداء قال: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في السماء طائر يطير بجناحيه، إلا ذكرنا منه علمًا(17). رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وجاء بنحوه عن أبي ذر كما في مسند أحمد.
وكل ما سبق مصداقٌ لقوله سبحانه وتعالى: "قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ"(18).
ولقوله تعالى: "قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا، رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ(19) لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا"(20).
فما مات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فمن ابتغ الدين الحق، وجده فيما جاء به هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، ومن أعرض عنه فقد أعرض عن سعادة الوحي فهو على غير الطريق يسير نسأل الله السلامة والعافية.
فالخير كل الخير في اتباع محمد عليه الصلاة والسلام من غير زيادة في الدين.
ثم هذه الموالد من زعم أنها من الخير فقد جانب الجادة لماذا؟
لأنها إضافةً إلى ما سبق تشتمل على المنكرات والضلالات المختلفة ومن أخطرها الاستغاثة برسول الله عليه الصلاة والسلام وزعم بعضهم أن روح رسول الله عليه الصلاة والسلام تحضر وأنه يعلم الغيب وما إلى ذلك.
قال ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل: (العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور، كما تقدم لأجل مولده صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الكريم، وهو صلى الله عليه وسلم فيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل، وفجعت الأمة وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير، وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليعزي المسلمون في مصائبهم")(21)أ.هـ.
ثم من أين جاءت لنا بدعة الموالد؟
من الفاطميين الفجرة الذين لا يفقهون دينهم فهم أول من أحدثه في الإسلام وقد عرفوا آنذاك بمصر بالعبيديين.
أول المحدثين لها المعز لدين الله، توجه من المغرب إلى مصر في شوال سنة (361 هـ) إحدى وستين وثلاثمائة هجرية، فوصل إلى ثغر إسكندرية في شعبان سنة (362 هـ) ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان في تلك السنة فابتدعوا: ستة موالد: المولد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومولد السيدة فاطمة الزهراء، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الخليفة الحاضر. وبقيت هذه الموالد على رسومها إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش.
يقول الإمام المقريزي في (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) : (كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن: ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النوروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد ..) ا.هـ. وأخذ رحمه الله يعدد الكثير من الأعياد المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
فلا بد للمسلم أن يعرف جيدًا ممن يؤخذ الدين فإنه لا يؤخذ إلا من كتاب ربنا وسنة نبينا وما دون ذلك فمردود.
لقوله عليه الصلاة والسلام: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه(22) فهو رد(23)"(24).
إذن نفهم من كل ما سبق أنه ليس في الدين شيء يقال له: الاحتفال بالمولد الشريف ولو كان من الدين لسبقنا إليه الصحابة أو التابعون أو تابعوهم ولكن ما فعلوا وهم خير القرون فكيف بنا ونحن أقلهم فضلًا ومكانة وتمسكًا نسأل الله العافية والسلامة.
أما حكم تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بـ سيدنا، وحبيبنا ومصطفانا فهذا تعظيم جائز إذا قصد به الرجل عدم الإطراء وذلك لأنه بالفعل عليه الصلاة والسلام سيدنا، وحبيبنا ومصطفانا.
أما أنه سيدنا فقد ساد بالرسالة والإيمان والنسب وهو القائل كما في مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع"(25).
وأما أنه حبيبنا عليه الصلاة والسلام فقد أجمع علماء الملة على أنه لا إيمان لمن قدم حب شخص على حب رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وهو القائل كما في الصحيحين: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"(26).
وأما أنه مصطفانا فلا ينكر ذلك إلا الكافر لأن الله اصطفاه برسالة الإسلام الخاتمة.
وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه(27) لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيئ)(28).
وفق الله الجميع لطاعته والحمد رب العالمين.
_____
([1]) لا تتخذوا قبري مظهر عيد أو لا تجعلوا قبري عيدا تعودون إليه متى أردتم أن تصلوا علي.
([2]) أخرجه أبوداود في سننه [كتاب المناسك، باب زيارة القبور (1/622 رقم 2042)] من حديث أبي هريرة.
([3]) المدح بالباطل والإفراط في المدح والكذب فيه.
([4]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الأنبياء، باب {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها} / مريم 16 / (3/1271 رقم 3261)]، ومسلم في صحيحه [كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنى (3/1317 رقم 1691)] كلاهما من حديث عمر بن الخطاب، واللفظ للبخاري.
([5]) سورة المائدة، الآية (3).
([6]) شريعة لها إشراقٌ ونورٌ وابْيِضاض في العين ولا لبس أو غموض فيها.
([7]) أخرجه ابن ماجة في سننه [المقدمة، باب اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم (1/7 رقم 5)] من حديث أبي درداء.
([8]) جبريل.
([9]) ألقى إلي وأوحي والروع النفس، والنفث بالفم وهو شبيه بالنفخ.
([10]) تطلبوه بالطرق الجميلة المحللة بغير كد ولا حرص ولا تهافت على الحرام والشبهات.
([11]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان [الحادي والسبعون من شعب الإيمان وهو باب في الزهد وقصر الأمل قال الله عز وجل: {فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [بعثت أنا والساعة كهاتين] فعلمنا بخبر الله عز وجل وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أجل الدنيا قريب وإذا كان أجل الساعة قريبا قبح من الواحد أن يطيل أمله (7/299 رقم 10376)] من حديث عبد الله بن مسعود.
([12]) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (2/886 رقم 1218)] من حديث جابر.
([13]) بكسر الخاء المعجمة كالقِرْبَة أو بفتحها كالكَرْهَة وهي: القعود عند الحاجة وقيل هو فعل الحدث وقيل المراد هيئة القعود للحدث.
([14]) المطمئن من الأرض، ثم صار عبارة عن الخارج المعروف من دبر الآدمي.
([15]) الرَّوْثُ وَالْعُذْرَةُ: فَعِيلٌ بمعنى فَاعِلٍ؛ لرجوعه إلى الظهور بعد كونها في البطن أو لأنه رجع عن حالته الأولى بعد أن كان طعامًا أو علفًا.
([16]) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الطهارة، باب الاستطابة (1/223 رقم 262)] من حديث سلمان الفارسي.
([17]) أخرجه أحمد في مسنده [مسند البصريين رضي الله عنهم، حديث المشايخ عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه (5/162 رقم 21477)] من حديث أبي ذر.
([18]) سورة المائدة، الآية (19).
([19]) موضحات.
([20]) سورة الطلاق، الآية [10،11].
([21]) أبوعبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي الشهير بابن الحاج، المدخل، دار الفكر، 1401هـ - 1981م (2/15).
([22]) اختراع شيء في دينه بما ليس فيه مما لا يوجد في الكتاب والسنة.
([23]) مردود بمعنى باطل غير معتد به.
([24]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (2/959رقم 2550)، ومسلم في صحيحه[كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (3/1343رقم 1718)] كلاهما من حديث أم المؤمنين عائشة.
([25]) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق (4/1782 رقم 2278)] من حديث أبي هريرة.
([26]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الإيمان، حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان (1/14 رقم 15)]، ومسلم في صحيحه [كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين ولإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة (1/67 رقم 44)] كلاهما من حديث أنس بن مالك.
([27]) اختاره وفضله.
([28]) أخرجه أحمد في سننه [مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن مسعود (1/379 رقم 3600)] من حديث عبد الله بن مسعود.