ما هو الصحيح التسمي بالسلفية أم أهل السنة والجماعة؟!
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س 351: نود من شيخنا أن يبين لنا هل الصحيح أن نسمي أنفسنا أهل السنة أو السلفيين أو نقول عقيدتنا عقيدة أهل السنة أو العقيدة السلفية نرجو التوضيح وجزاكم الله خيرًا؟
ج 351: إذا اختلفت المسميات واتفقت المعاني وسبق حصول التسمية عند علمائنا الأجلاء سلفًا فالتسميات مقبولة، ولعقيدة المسلم الصحيحة مسميات شُهِرت بها منذ أزمان قديمة وهي على المشهور ما يأتي:
عقيدة أهل السنة والجماعة.
والسنة لغة: الطريقة والسيرة حسنةً كانت أو سيئةً.
واصطلاحًا: هي هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام علمًا، وعقيدةً، ومنهجًا، وشريعةً، وسلوكًا سواء كان قولًا، أو عملًا.
فقولهم: أهل السنة بمعنى أصحاب الطريقة النبوية الصحيحة، وقد سموا بأهل السنة نسبة لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والتسمية بهذا الاسم قديمة، فقد جاءت عن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن سيرين قال: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة، فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع، فلا يؤخذ حديثهم)(1).
وأخرج الدارمي بإسناد حسن عن الحسن البصري أنه قال: (سنتكم، والله الذي لا إله إلا هو بينهما بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلكم إن شاء الله فكونوا)(2).
وجاء عن ابن عباس أنه فسر قوله تعالى: "يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ"(3) : بأنها (وجوه أهل السنة والجماعة)(4).
وأما معنى الجماعة لغة: فمأخوذ من الإجماع والاجتماع بمعنى أنهم مجتمعون أو مجمعون على شيء ما.
واصطلاحًا: هم من اجتمع على هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأجمعوا على معتقد واحد وأصول صحيحة.
وقد سموا بذلك لكونهم جماعة مجتمعة على أصول ثابتة.
وكلُّ مُنْ التزم بالسنة ومذهب الجماعة أي الصحابة يقال له: جماعة إن لم يوجد على المعتقد الصحيح سواه في بلدته.
ولذا جاء عن ابن مسعود أنه قال: (الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك)(5).
وقد ورد ذكر الجماعة على لسان رسول عليه الصلاة والسلام ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات مِيِتَةً جاهلية، ومن قاتل تحت راية عُمِّيَّةٍ(6)، يغضب لِعَصَبَةٍ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة(7)، فقتل فقِتْلةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها و فاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فليس مني ولست منه"(8).
وأخرج ابن ماجة وغيره والحديث حسن لغيره عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار، وواحدةٌ في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، ثنتان وسبعون في النار". قيل: يا رسول الله مَنْ هم؟ قال: "الجماعة"(9).
وفي الصحيحين من حديث حذيفة(10) قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟
"قال : نعم".
فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟
"قال: نعم وفيه دخن(11)".
قلت: وما دخنه؟
"قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي(12) تعرف منهم وتنكر".
فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟
"قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه(13) فيه".
فقلت: يا رسول الله صفهم لنا.
"قال: نعم قوم من جلدتنا(14) ويتكلمون بألسنتنا".
قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟
"قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم".
فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟
"قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل(15) شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك")(16).
عقيدة السلف.
ومعنى السلف في اللغة: الماضون أو المتقدمون، ويراد به في اصطلاح العقيدة: القوم الذين سلفوا ممن هم على هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم أخص بالقرون المفضلة الذين جاء ذكرهم في حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بعدكم قومًا يخونون، ولا يؤتمنون، ويشهدون، ولا يستشهدون، وينذرون، ولا يفون، ويظهر فيهم السمن"(17).
وقد سموا بالسلف لأنهم سَبَقُوا مَنْ خَلَفَهُمْ علي الهدي الصحيح.
وقد ورد ذِكْرُ كلمة السلف محمودةً في كلام رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك قوله كما في الصحيحين لابنته فاطمة عليها السلام: "اتقي الله، واصبري، فإني نِعْمَ السَّلَفُ أنا لَكِ"(18).
العقيدة السلفية.
وهي نسبة لمعتقد سلف هذه الأمة، وهم أهل القرون المفضلة يقال: سلفية نسبة لما يعتقدونه من المسائل العقدية التي اعتقدها سلفنا الصالح رضوان الله عليهم.
وقد جاء ذكر العقيدة السلفية على لسان ابن تيمية في مجموع الفتاوى وعامة كتبه ولم أجد من سبقه إلى هذه التسمية.
عقيدة أهل الأثر.
نسبة إلى المتمسكين بالآثار السلفية الواردة عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم.
وقد جاء ذكر أصحاب الأثر وهم أهل القرون المفضلة على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده بإسناد حسن من حديث أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أي الناس خير؟
قال: "أنا ومن معي".
قال: فقيل له: ثم مَنْ يا رسول الله؟
قال: "الذي على الأثر".
قيل له: ثم من يا رسول الله؟
قال: "فرفضهم"(19).
ولقد أحسن عبده بن زياد الأصبهاني - رحمه الله - حين قال كما في (شرف أصحاب الحديث) للخطيب البغدادي ص141:
دينُ النبيِّ محمدٍ أخـــبارُ ** نِعْمَ المطيِّةُ للفتى الآثـارُ
لا تُخْدَعَنَّ عن الحديثِ وأهلهِ ** فالرأي ليلٌ والحديثُ نهارُ
ولربما غَلِطَ الفتى سُبَلَ الهدى ** والشمسُ بازعةٌ لها أنـوارُ
قال أبو محمد الرازي كما في (اعتقاد أهل السنة) 1/179: سمعت أبي يقول: (علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مُشبِّهة، وعلامة القدرية تسميتهم أهل الأثر مجبرة، وعلامة المرجئة تسميتهم أهل السنة مخالفة، ونقصانية، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل السنة ناصبة، ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء)(20) أ.هـ.
وقصد الأسماء التي سماهم بها أهل الزيغ والضلال.
عقيدة الطائفة المنصورة.
والطائفة: بمعنى الجماعة من الخلق، والمنصورة: بمعنى أنها ظاهرة على أعداء السنن إلى قيام الساعة، لا تخذل لأن الله نصيرها.
وفي الصحيحين عن معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال من أمتي، أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك"(21).
عقيدة الفرقة الناجية.
بمعنى ناجية من النار بخلاف غيرها من الفرق الهالكة، والنجاة مأخوذة من الحديث السابق وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار"، قيل: يا رسول الله من هم؟، قال: "الجماعة"(22).
لكن لا يعني أن نشهد لكل من انتسب للسنة أو السلفية بجنة وإنما هو بيان الجملة فقد يكون هناك من وضع رحله في الجنة ولا يُعرف أنه من أهل السنة، فجوابنا على العموم من حيث الجملة لا من حيث الآحاد.
وبين بعض هذه المسميات خصوص وعموم فإنهم قد يطلقون أهل السنة على من لم يكن من الشيعة وهذا مصطلح صحيح، وقد يطلقون أهل السنة على الثقات من رواة الحديث والأثر وإن كان في عقيدته شئ، وهذا اصلاح مخصوص مقبول في بابه، فهي وإن كانت مسميات مختلفة لمعنى وأحد لكنها قد تختلف في مواضع مخصصة حسب القرائن.
ومن حيث الجملة هذه التسميات مختلفة الألفاظ، متفقة المعاني، إذ كلها تعني التمسك بهدي رسول الله عليه الصلاة والسلام على فهم سلف هذه الأمة رضي الله عنهم علمًا وعقيدة ومنهجًا وشريعةً وسلوكًا سواء كان قولًا، أو عملًا.
وليحمد الله كل مسلم انتسب إلى هذا الهدي المبارك بأي اسم من هذه المسميات الصحيحة لكونه انتسب إلى هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهدي صحابته الكرام رضي الله عنهم انتسابًا صحيحًا، على الوجه المطلوب شرعًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة كما في مجموع الفتاوى 4/149: ( لا عيب على من أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًا)(23).أ.هـ.
________
([1]) صحيح مسلم (1/12).
([2]) أخرجه الدارمي في سننه [المقدمة، باب في كراهية أخذ الرأي (1/83 رقم 216)] عن الحسن البصري.
([3]) سورة آل عمران، الآية (106).
([4]) الشوكاني، فتح القدير (2/10).
([5]) أخرجه الطبراني في مسند الشاميين [بن ثوبان عن حسان بن عطية (1/138 رقم 220)] من طريق عمرو بن ميمون، بدون "وإن كنت وحدك".
([6]) بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان الأمر الأعمى لا يستبين وجهه.
([7]) يقاتل لشهوة نفسه وغضبه لها، العَصَبة: بنو العم وكلّ مَنْ ليست له فَريضة مُسَمَّاة في الميراثِ إنما يأخذ ما يَبْقَى بعد أرباب الفرائض فهو عَصَبة.
([8]) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة (2/ 1476 رقم 1848)] من حديث أبي هريرة.
([9]) أخرجه ابن ماجة في سننه [كتاب الفتن - باب افتراق الأمم (2/1322 رقم 3992)] من حديث عوف بن مالك.
([10]) حذيفة بن اليمان، واسم اليمان حسيل، ومناقبه كثيرة مشهورة، شهد حذيفة، وأبوه حسيل، وأخوه صفوان أحداً، وقتل أباه يومئذ بعض المسلمين، وهو يحسبه من المشركين، كان حذيفة من كبار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ينظر إلى قريش، فجاءه بخبر رحيلهم، وهو صاحب سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عمر ينظر إليه عند موت من مات منهم فإن لم يشهد جنازته حذيفة لم يشهدها عمر، وكان حذيفة يقول: خيرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الهجرة والنصرة فاخترت النصرة، ومات حذيفة سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان في أول خلافة علي [ابن حجر، تهذيب التهذيب (2/193)، مصدر سابق].
([11]) نقص.
([12]) منهاجي.
([13]) رموه (فجزاء الداعين والمستجيبين لهم النار).
([14]) قومنا وملتنا (ظاهراً).
([15]) أساس (اصبر والزم الوصية ولو كابدت المشقة).
([16]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (3/1319 رقم 3411)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن (3/1475 رقم 1847)] من حديث حذيفة بن اليمان.
([17]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد (2/938 رقم 2508)]، ومسلم في صحيحه [كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (4/1964 رقم 2535)] كلاهما من حديث عمران بن حصين واللفظ للبخاري.
([18]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الاستئذان، باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به (5/2317 رقم 5928)]، ومسلم في صحيحه [كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام (4/1904 رقم 2450)] كلاهما من حديث أم المؤمنين عائشة.
([19]) أخرجه أحمد في مسنده [مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (2/297 رقم 7944)] من حديث أبي هريرة.
([20]) هبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي أبوالقاسم، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان، دار طيبة، الرياض، 1402 هـ (1/179).
([21]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (1/39 رقم 71)]، ومسلم في صحيحه [كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة (2/718 رقم 1037)] كلاهما من حديث معاوية بن أبي سفيان.
([22]) أخرجه ابن ماجة في سننه [كتاب الفتن - باب افتراق الأمم (2/1322 رقم 3992)] من حديث عوف بن مالك.
([23]) ابن تيمية، مجموع الفتاوى (4/149)، مصدر سابق.