الحلقة (6)
القاعدة السادسة
اليهود والنصارى والمشركون، ومن هو على شاكلتهم معترفون بتوحيد الربوبية ، وأن دعوة رسلهم كانت إلى توحيد الألوهية
وهذه قاعدة مطردة عند أهل السنة والجماعة لم يخالفهم سوى المبتدعة مِمَّنْ يَدَّعِي أن دعوة الرسل كانت إلى توحيد الربوبية ليس غير، لِيُجِيزوا للأمة الاستغاثة بالمقبور والاستعانة بالجن والموتى وجواز التحاكم إلى الطاغوت من أنظمة وضعية وتشريعات شيطانية ونحوها مما يتصادم مع شريعة الاسلام السمحة، ليحققوا من وراء ذلك مآرب ومصالح دنيوية مختلفة، ولمحاربة أهل الحق الذين منعوا ذلك بحجة أن دعوة الرسل كانت إلى توحيد الألوهية – التوحيد الخالص- الذي من أجله بعث الله الرسل ، وأنزلت الكتب ، ووضع توحيد الألوهية فيصلاً بين الكفر والإيمان ، وبهذا التوحيد الصحيح نطقت صرائح الكتاب والسنة :
قال الله تعالى: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ([1])، فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ ، وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ"([2]).
وما من رسول إلا ودعا قومه إلى توحيد الألوهية .
فهذا خليل الله إبراهيم يدعو قومه إلى هذا التوحيد الخالص فيقول الله تعالى على لسانه: "وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"([3]).
وكذلك نبي الله شعيب:"وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا ([4]) فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ"([5]).
وكذا نبي الله صالح: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ"([6]).
وكذلك صاحب السفينة نبي الله نوح، أرسله الله ليبلغ توحيد الألوهية: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ ، فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ"([7]).
وجميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام دعوا قومهم إلى عبادة الله وحده قائلين لأقوامهم قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا.
أما توحيد الربوبية فالكل مقرٌ به حتى عدو الله إبليس ألم يقل الله على لسانه: "قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي([8]) إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ"([9]) .
وكذا المشركون ومن شاكلهم مقرون بتوحيد الربوبية كما قال تعالى: "وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَسَخَّر ([10]) الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ([11])"([12]).
وقال جل ذكره:"وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا([13]) لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ، قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ"([14]).
وقال تعالى: "وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ، لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ([15])"([16]).
وكذلك اليهود لولا أنهم قالوا عزيرٌ ابن الله، وكذلك النصارى لولا أنهم قالوا عيسى ابن الله، فهم مشركون في توحيد الألوهية ومقرون بتوحيد الربوبية.
فإذا كان الأمر كذلك فخلافنا مع الكفرة إنما هو في توحيد الألوهية والذي بوجوده يستلزم تنزيه الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
وقد نطقت السنة بأن دعوة رسول الله عليه الصلاة والسلام كانت إلى هذا التوحيد الخالص:
ففي الصحيحين: عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن، فقال: "ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"([17])، ونحو ذلك من الأدلة المتكاثرة في السنة النبوية.
ولكن.. ماذا بعد الحق إلا الضلال ؟؟ نعوذ بالله من الخذلان.
وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.
([1]) الطاغوت: كل ما عبد من دون الله، ومن الطاغوت من دعا الناس إلى التحاكم إلى الأنظمة الوضعية المنافية للدين أو فرضها على الناس، وكذا من دعا إلى رأيه وحكمه المنافي للشرع، ويدخل في ذلك السحرة والعرافون والمنجمون، وكذا دعاة الضلال والفجور الذين يحرفون الدين ويجيزون لأتباعهم ما لم يأذن به الله أو يتصادم مع شرع الله.
([2]) سورة النحل، الآية رقم : 36.
([3]) سورة العنكبوت ، الآية رقم : 16.
([4]) تتمادوا.
([5]) سورة العنكبوت ، الآية رقم : 36.
([6]) سورة النمل، الآية رقم : 45.
([7]) سورة المؤمنون، الآية رقم : 23.
([8]) أمهلني وآخرني.
([9]) سورة الحجر، الآية رقم : 36.
([10]) كلف وحمل على العمل بغير أجرة.
([11]) فكيف ينصرفون بعد ذلك عن الحق إلى الضلال.
([12]) سورة العنكبوت ، الآية رقم : 61.
([13]) بإنبات الزرع فيها.
([14]) سورة العنكبوت ، الآية رقم : 63.
([15]) فكيف ينصرفون بعد ذلك عن الحق إلى الضلال.
([16]) سورة الزخرف، الآية رقم :87.
([17]) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الزكاة ، باب وجوب الزكاة وقول الله تعالى { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } (2/505 رقم 1331)، ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (1/50 رقم 19).