الجمعة 19 رمضان 1445 هـ || الموافق 29 مارس 2024 م


قائمة الأقسام   ||    مختصر المنتقى من الفتاوى وزياداته    ||    عدد المشاهدات: 5385

ما حكم لبس البنطال مع أن أهل البلد اعتادوه في لباسهم؟

 بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني 


س 407: الناس في بلادنا يلبسون البنطال الذي يعد من لباس الغرب، فهل يجوز لنا لبسه؟ مع العلم بأنه يوجد عندنا حرج في لبس غيره من الثياب كالعربية أو الباكستانية مثلا، وهذا الحرج علينا أشد من قبل الحكومة؟ 


ج 407: سبق وأن قلنا: ليس كل لباس صنعه أهل الكفر ولبسه المسلمون يعد تشبهًا بهم ولكن لا يعني هذا أنه يجوز لبس كل شيء صنعه أهل الكفر، والقاعدة في هذا الباب: أن كل لبس حرمه الشرع أو كرهه واعتاده أهل الكفر فهو في حق المسلمين من التشبه مع كونه محرمًا أو مكروهًا شرعًا.

وعلى سبيل المثال: أخرج الشيخان عن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - رأى حُلّة(1) سِيَراء(2) عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما يلبس هذه من لا خلاق له(3) في الآخرة" ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها حلة فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أكسكها لتلبسها" فكساها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخا له بمكة مشركًا(4).

فالحديث فيه دلالة على أن من الثياب ما لا يحل شرعًا لكونه تشبهًا بالأعداء أو كونه من لبسهم بمعنى أن للباس علاقة بالدين.

ولذا أجمع علماء الإسلام على تبويب باب اللباس أو كتاب اللباس في الفقه ولم يخالف أحد ليعدوا اللباس من الدين رغم أنه في أصله من الأمور المباحة لولا الواجب منه ونحوه مما له تعلق بالشرع، وذكروا في هذا الباب أنواعًا عدة من الثياب التي لا يجوز لبسها لكونها من ثياب الكفار التي نهى عنها الشرع أو لكونها شابهت ما عليه أهل الكفر فكانت أشبه بثيابهم.

فحرمها أهل العلم أو كرهها من باب التشبه عملًا بما أخرجه أبو داود وغيره من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم"(5)

إذن فليست الثياب من مطلق المباح ولكنها تختلف من نوع لآخر، فإن عارضت نصًا شرعيًا أو أشبهت ثياب أهل الكبر أو نافت شخصية المسلم المعهود بزيه فلا تحل إما للنهي المحض وإما لكونها من التشبه الظاهري لأهل الكفر - التشبه الذي ينافي الشخصية الإسلامية - فلبس البنطال والكرفته والبدلة لم يجزه شرع أو عرف معتبر بل هو من التشبه بالأعداء، وأعني بالبنطال ذلك اللبس الضيق الذي يبين مقاطع الشخص ومفاتنه ويظهره بالمظهر الغربي العفن وإن كان ذا لحية وسواك.

فمتى كان المسلمون المتدينون رجالًا يتباهون بلباس الكفار الذي يفتن نساءهم بسبب هذه البناطيل التي تظهر مقاطع ومفاصل الرجل ومفاتنه والتي هي ثياب الكاسي العاري - كاسي لأن عورته لا تظهر جلية وعاري لأن ملامحها يبين مواطنها، لكن أبدلنا الشرع عنها بالسراويل وهي شبيهة بالبنطال لكنها فضفاضة واسعة فهذه جائزة اللبس.

ولذا أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: "من لم يجد الإزار فليلبس السراويل ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين"(6).

لكن نحن إلا من رحم الله استبدلنا السراويل بجواز لبس البنطال وهذا ليس من الدين في شيء، وعليه فيلزم المسلم المتعقل أن يقف حيث وقف الدليل ولا يتعداه.

كذلك الكرفته والبدلة ليست من ثياب أهل الإسلام بل هي من ثياب أهل الكبر والكفر، ومن لبس شيئًا من ذلك فقد شابه الأعداء.
 
ومع كل ذلك نقول: لا يحل لشخص أن يقول قد اعتادها الناس ولبسوها وصارت معتادة لغير كبر، هذا قول فيه ما فيه. لماذا؟

لأن قول الفقهاء الأصل في العادات الإباحة قيدوه بألا تكون العادة مذمومة شرعًا، فإن ذمت شرعًا فقد استقلت بحكم مستقل وليست من العادات.

وهذا يعني أن ما لبسه أهل الكفر لا يدل على حرمته إلا ما نافى ما عليه الشرع كراهة أو حرمة.

وقد قال بعض الأحناف ما اشتهر من الثياب بين المسلمين وهو من زي الأعداء فلا يعد تشبهًا، لكن هذا ليس على إطلاقه بل يقيد أيضًا بالقيد السابق أي بشرط ألا ينافى ما عليه الشرع كراهة أو حرمة.

والحاصل كل لبس أذن به الشرع أو سكت عنه مما ليس فيه تشبه بالأعداء فهو جائز، وما دونه فعلى حَسْبَ ما سبق توضيحه.

وبهذا يتبين الحكم جليًا لكن إذا ثبت فعلًا أن هذه الحكومة في بلادكم تضغط عليكم ويؤدي هذا الضغط على مفاسد عدة فلا بأس بلبسه مع تخفيف حدة ضيقه بشرطين اثنين:

الأول: إنكار ذلك ولو على الأقل بالقلب.

الثاني: ألا يكون البنطال إلى أسفل الكعبين لأن ما أسفل الكعبين من عمل أصحاب الكبر والخيلاء؛ وبالله التوفيق.
ـــــــــــــــــــــ
([1]) قيل الثياب لا تكون الحلة إلا ثوبان ويكون غالبا إزارا ورداء.
([2]) ثياب وبرود مُسَيَّرة ومخططة ومضلعة بخطوط من الحرير عريضة كالأضلاع، أو ثياب يسير فيها أعلام من حرير كالسُّيور وأعلام من قطن أو صوف كالستور، أو ثياب ذوات ألوان وخطوط كأنها السيور وهي الشراك يخالطها حرير، أو ثياب مختلفة الأْلوَانِ والهيئة أو ثياب من الحرير الخالص، وقيل هو نبت شبهت به الثياب.
([3]) من لانصيب له فى الآخرة وقيل من لاحرمة له وقيل من لادين له فعلى الأول يكون محمولا على الكفار وعلى القولين الأخيرين يتناول المسلم والكافر.
([4]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الجمعة, باب يلبس أحسن ما يجد(1/302 رقم 846)]، ومسلم في صحيحه [كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء وخاتم الذهب والحرير على الرجل وإباحته للنساء وإباحة العلم ونحوه للرجل ما لم يزد على أربع أصابع (3/1638 رقم 2068)] كلاهما من حديث عبد الله بن عمر. 
([5]) أخرجه أبوداود في سننه [كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة (2/441 رقم 4031)] من حديث ابن عمر.
([6]) أخرجه البخاري في صحيحه [أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل(2/654 رقم 1746)]، ومسلم في صحيحه [كتاب الحج (2/835 رقم 1178)] كلاهما من حديث ابن عباس.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام