الثلاثاء 5 ربيع الآخر 1446 هـ || الموافق 8 أكتوبر 2024 م


قائمة الأقسام   ||    قواعد واصول العقيدة والتوحيد    ||    عدد المشاهدات: 5979

الحلقة (7)

القاعدة السابعة

كل مولود يولد على فطرة الإسلام لا يخرج عن كونه مسلماً إلا باستجابته دعوة غير المسلمين

وبهذا نطق الشرع الشريف ففي الصحيحين عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟"

ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّه([1]) الَّتِي فَطَرَ([2]) النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ([3])".

قال البخاري في صحيحه: الفطرة الإسلام([4]).

قال ابن حجر في الفتح: وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام .

قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف، وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى: فطرة الله التي فطر الناس عليها الإسلام، واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب" اقرؤوا إن شئتم: "فطرة الله التي فطر الناس عليها"([5]).

وبحديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: "إني خلقت عبادي حنفاء([6]) كلهم، فاجتالتهم([7]) الشياطين عن دينهم" الحديث([8]).

وقد رواه غيره فزاد فيه: "حنفاء مسلمين"([9]).

ورجحه بعض المتأخرين بقوله تعالى: فطرة الله لأنها إضافة مدح ، وقد أمر نبيه بلزومها ، فَعُلِمَ أنها الإسلام.

وقال ابن جرير قوله: "فأقم وجهك للدين" أي سدد لطاعته، "حنيفاً" أي مستقيماً، "فطرة الله" أي صبغة الله([10]).

قلت: ومعنى صبغة الله دينه الذي فطر الناس عليه وقد شبهه بالصبغة في الثوب، فهو من التشبيه البليغ عند علماء البلاغة لظهور أثره على صاحبه .

قلت: فعلم بهذا أن مصير الطفل الذي يموت بين أهله الجنة لأنه مازال على الإسلام والدين والفطرة، وما عَمِلَه من أعمال الكفر تقليداً لوالديه لا يؤاخذ به حتى يبلغ.

قال النووي: وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة، ويستدل له بأشياء منها حديث إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وحوله أولاد الناس؛ قالوا: يا رسول الله وأولاد المشركين؟

قال: "وأولاد المشركين" رواه البخاري في صحيحه.

ومنها قوله تعالى: "َومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" ([11]).

ولا على المولود التكليف ويلزمه قول الرسول حتى يبلغ، وهذا متفق عليه، والله أعلم([12]).

قال الحافظ في الفتح عن الإمام البخاري: كان متوقفاً في ذلك ، وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم بما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة كما سيأتي تحريره ، وقد رتب أيضاً أحاديث هذا الباب ترتيباً يشير إلى المذهب المختار فإنه صدَّره بالحديث الدال على التوقف ثم ثنى بالحديث المرجح لكونهم في الجنة ثم ثلث بالحديث المصرح بذلك فإن قوله في سياقه: "وَأَمَّا الصِّبْيَان حوله فأولاد الناس"، قد أخرجه في التعبير بلفظ: "وأما الولدان الذين حوله فكل مولود يولد على الفطرة.

فقال بعض المسلمين: وأولاد المشركين ؟

فقال : وأولاد المشركين"([13]).

ويؤيده ما رواه أبو يعلى من حديث أنس مرفوعا: "سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم"، وإسناده: حسن([14]).

وورد تفسير اللاهين بأنهم الأطفال من حديث ابن عباس مرفوعا أخرجه البزار([15]).

وروى أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت: قلت: يا رسول الله من في الجنة ؟

قال: "النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة " إسناده حسن([16])، انتهى كلام الحافظ([17]).

وأما ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس قال: "كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض, فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه , فقال له: أسلم , فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال: أطع أبا القاسم , فأسلم , فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد الله الذى أنقذه من النار "، فجوابه أن هذا الغلام قد شبَّ بمعنى بلغ، فإن الغلام في العربية يطلق على الصبي الصغير حتى يشب، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: "الحمد الله الذى أنقذه من النار"، فلو كان دون ذلك ولم يسلم ما استحق النار، لأنه دون البلوغ لما تقدم من الأدلة السابقة، والله أعلى وأعلم، وأعز وأكرم.

 


([1])  خلقة الله وصبغته والطبع الذي يكون الإنسان أول ما يخرج إلى هذه الحياة عليه وهو دين الإسلام.

([2])  طبع وخلق.

([3])  العدل.

([4])  صحيح البخاري (4/1791).

([5])  أخرجه مسلم في صحيحه كتاب القدر ، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (4/2047 رقم 2658)، والآية رقم :30 من سورة الروم، وأصل الحديث في الصحيحين.

([6])  محبين للتوحيد مائلين عن الشرك.

([7])  ساقتهم فذهبت بهم واستخفتهم.

([8])  أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار (4/2197 رقم 2865) .

([9])  أخرجه الطبراني في الكبير (17/358 رقم 987) وزيادة حنفاء مسلمين ذكرها في الكبير (17/363 رقم 997).

([10])  ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري شرح صحيح البخاري (3/248).

([11])  سورة الإسراء ، الآية رقم : 15.

([12])  النووي ، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج(16/208).

([13])  سبق تخريجه.

([14])  أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده (7/138 رقم 4101) ، (6/267 رقم 3570) ، (6/316 رقم 3636) ، وغيره وهو حسن.

([15])  لم أجد لفظ البزار في النسخة التي بحوزتي.

([16])  لكن أخرجه أبو داود في سننه كتاب الجهاد ، باب في فضل الشهادة (3/15 رقم 2521) ، وأحمد في مسنده ، حديث رجال من الأنصار رضي الله عنهم (5/58 رقم 20602 ، 20604) ، وهو حسن.

([17])   ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري شرح صحيح البخاري (3/246).

 




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام