الثلاثاء 21 رجب 1446 هـ || الموافق 21 يناير 2025 م


قائمة الأقسام   ||    دراسات شرعية موجزة حول شبهات التكفيريين    ||    عدد المشاهدات: 5614

قول التكفيريين ” الأمة تهان من تسلط الكفار عليها ولا حلَّ لها إلا بالجهاد”.
(ضمن دراسات شرعية موجزة حول شبهات الدواعش وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرهم من أهل التكفير)
الحلقة (8)
بقلم الدكتور : صادق بن محمد البيضاني

الجواب على هذه الشبهة: أن كلامهم حق في أنه يجب جهاد الكافرين جميعاً ،لكنه كلام في غير موضعه في مثل هذه الأوقات الحرجة، نظراً لضعف المسلمين وتفرقهم وعدم أهليتهم اليوم لقتال الكافرين، وإن كان الجهاد من أجل الفروض التي فرضها الله على عباده.
ولسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز مقالات عديدة وفتاوى كثيرة في دعوة المسلمين إلى محاربة الكفار وجهادهم، ومنها قوله رحمه الله: ” جهاد المشركين مطلقاً وغزوهم في بلادهم حتى لا يكون فتنة ويكون الدين كله لله، ليعم الخير أهل الأرض وتتسع رقعة الإسلام ويزول من طريق الدعوة دعاة الكفر والإلحاد، وينعم العباد بحكم الشريعة العادل، وتعاليمها السمحة، وليخرجوا بهذا الدين القويم من ضيق الدنيا إلى سعة الإسلام، ومن عبادة الخلق إلى عبادة الخالق سبحانه، ومن ظلم الجبابرة إلى عدل الشريعة وأحكامها الرشيدة، وهذا هو الذي استقر عليه أمر الإسلام وتوفي عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم “([1])، وقد جاء كلامه رحمه الله في سياق بيان الأطوار الثلاثة التي مر بها الجهاد في سبيل الله.
وقال سماحته أيضاً: ”وجهاد الكفار والمنافقين وإذلالهم ونصر أوليائه عليهم إفساح الطريق لانتشار الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة”([2]).
وقال الشيخ ابن عثيمين: لا شك أن الجهاد لأعداء الله عز وجل من فروض الكفايات، والجهاد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ”ذروة سنام الإسلام”([3])، ولا يكون للأمة الإسلامية عز ورفعة ولدين الإسلام ظهور وغلبة إلا بالجهاد وقمع أعداء الله، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله عز وجل.
ولا ريب أن الأعداء تسلطوا على المسلمين منذ أزمان كثيرة؛ لأن المسلمين تفرقوا شيعاً، وناموا وغفلوا عن مصالحهم، واستعمر الأعداء بلادهم وأفكارهم، حتى غيروا عقائدهم وأخلاقهم، وجعلوا يبثون بينهم العداوة ليتفرق المسلمون حتى لا تكون لهم شوكة، ولا تقوم لهم قائمة، وبالتالي لا يكون لهم ملة قوية، سواء من اليهود، أو النصارى، أو من الشيوعيين، والواجب على الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين أن ينتبهوا لهذا الأمر الخطير العظيم، وأن يقوموا لله مثنى وفرادى في كبح جماح أعداء الله، والقضاء على سلطتهم، وهم منصورون إذا نصروا الله عز وجل … ، والواجب على الأمة الإسلامية حكاماً ومحكومين أن يرجعوا إلى دين الله عز وجل رجوعاً حقيقيًّا، في العقيدة، وفي القول، وفي الفعل، وأن يحكِّموا شريعة الله ويقيموها في أرضه، لتكون كلمة الله هي العليا، ولا شك أن المسلمين اليوم في حال يرثى لها، لأنهم متفرقون متشتتون، تتربص كل طائفة بالأخرى الدوائر، وذلك لعدم صدقهم في معاملة الله عز وجل، وفي الانتصار لدين الله سبحانه وتعالى ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم”([4]).
وللعلماء كالألباني وللوادعي وابن باز وابن عثيمين وغيرهم جملة من المحاضرات والمقالات بل والتوجيهات في دعوة المسلمين إلى مجاهدة الكافرين، لكن دعوة المسلمين إلى بدء الجهاد ضد أعداء الله مقيدة بشروطه الشرعية عندهما وعند غيرهما من علماء الإسلام في القديم والحديث على ضوء الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” والجهاد لا يقوم به إلا ولاة الأمور, فإن لم يَغزُ معهم لزم أنَّ أهل الخير الأبرار لا يجاهدون, فتفتر عزمات أهل الدين عن الجهاد, فإما أن يتعطل, وإما أن ينفرد به الفجّار, فيلزم مِن ذلك استيلاء الكفار، أو ظهور الفجّار, لأن الدين لمَن قاتل عليه”([5]).
وقالت اللجنة الدائمة: ” الجهاد لإعلاء كلمة الله وحماية دين الإسلام والتمكين من إبلاغه ونشره وحفظ حرماته فريضة على من تمكن من ذلك وقدر عليه، ولكنه لا بد له من بعث الجيوش وتنظيمها خوفاً من الفوضى وحدوث ما لا تحمد عقباه ؛ ولذلك كان بدؤه والدخول فيه من شأن ولي أمر المسلمين، فعلى العلماء أن يستنهضوه لذلك، فإذا ما بدأ واستنفر المسلمين فعلى من قدر عليه أن يستجيب للداعي إليه مخلصاً وجهه لله، راجياً نصرة الحق، وحماية الإسلام، ومن تخلف عن ذلك مع وجود الداعي وعدم العذر: فهو آثم “([6]).
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله هذا السؤال: ما هي شروط الجهاد, وهل هي متوفرة الآن؟ فأجاب بقوله: “نعم الجهاد ماضٍ إذا توفرت شروطه ومقوماته؛ فهو ماضٍ، أما إذا لم تتوفر شروطه ولا مقوماته فإنه ينتظر حتى تعود للمسلمين قوتهم وإمكانيتهم واستعدادهم، ثم يقاتلون عدوهم، أنت معك مثلاً سيف أو بندقية، هل تقابل طائرات وقنابل وصواريخ؟! لا، لأن هذا بأسٌ شديد، إذا كان معك استعداد يربو على استعدادهم أو مثله تقابلهم، أما إذا كان ليس معك شيء فلا تقابلهم … ، إذا كان للمسلمين قوة يقدرون على الجهاد وعلى الغزو في سبيل الله، فهذا يجب على ولي الأمر لأنه من صلاحيات ولي الأمر أنه يكوِّن جيوشاً للغزو ويقود الجيوش بنفسه أو يؤمر عليها كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك، أما إذا كان المسلمون لا يستطيعون قتال الكفار فهم يؤجلون الجهاد إلى أن يقدروا..، أما إذا كان ما عندهم إمكانية ولا عندهم قوة فإنهم لا جهاد عليهم والرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه كانوا في مكة قبل الهجرة، ما شرع عليهم الجهاد لأنهم لا يستطيعون، وكذلك لا بد أن يكون الجهاد تحت قيادة مسلمة وبأمر ولي الأمر”([7])”.
والحاصل: أن الأمة تهان من تسلط الكفار عليها ولا حل لها إلا بالجهاد، وهذا ما نص عليه علماء الإسلام عملاً بأدلة الكتاب والسنة ومضياً على نهج من سبق من السلف الصالح لولا تعذر شروط الجهاد في العصر الحديث وذلك من حيث غياب الإمام وعدم وضوح الراية الشرعية وعدم أهلية المسلمين اليوم نظراً لضعفهم وكثرة تفرقهم واختلافهم.
بل ولغياب الإيمان الصادق الذي يؤهلهم لمقاتلة الكافرين.
قال محدث العصر محمد ناصر الدين الألباني: ” إذا رجعنا إلى العهد الأول الأنور؛ وهو عهد الرسول عليه السلام الأول، هل كان عنده سلاح مادي ؟ الجواب: لا ، بماذا إذاً كان مفتاح النصر ؟ السلاح المادي أم السلاح المعنوي ؟ لاشك أنه السلاح المعنوي، وبه بدأت الدعوة في مثل تلك الآية { فاعلم أنهلا إله إلا الله}([8]) إذاً العلم- قبل كل شيء – إذاً بالإسلام قبل كل  شيء، ثم تطبيق هذا الإسلام في حدود ما نستطيع، نستطيع أن نعرف العقيدة الإسلامية – الصحيحة طبعاً – نستطيع أن نعرف العبادات الإسلامية، نستطيع أن نعرف الأحكام الإسلامية، نستطيع أن نعرف السلوك الإسلامي ، هذه الأشياء كلها مع أنها مستطاعة فجماهير المسلمين بأحزابهم وتكتلاتهم معرضون عنها؛ ثم نرفع أصواتنا عاليةً نريد الجهاد ! أين الجهاد ؟! “([9])اهـ.
إذًا فالقضية ليست تعطيل الجهاد من الحكام، بل القضية منوطة بغياب توفر شروط الجهاد([10]) في عصرنا الحاضر.
“وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ، وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ”([11]).
وفق الله الجميع لطاعته وألهمهم رشدهم.
ــــــــــــــــــــــ
[1] فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (7 387).
[2] المصدر السابق (2/94).
[3] أخرجه أحمد في مسنده رقم (22104) وغيره ، وله شواهد وطرق يرتقي بها لدرجة الصحة.
[4] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (28/258-259 ).
[5] منهاج السُنة لابن تيمية (6/118).
[6] ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 12 / 12 ).
[7] الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية، جمع محمد بن فهد الحصين ( ص 152)
[8] سورة محمد ، الآية رقم (19)
[9] شريط بعنوان ” واقعنا الأليم ” ضمن سلسلة الهدى والنور للألباني.
[10] تقدمت شروط الجهاد في مقال سابق لي منشور بعنوان : “هل الجهاد في هذا العصر فرض عين؟، وانظر كتابي ” الدول الإسلامية وشبهات المخالفين .. السعودية أنموذجا (ص40 وما بعدها)، الطبعة الأولى 1435هـ، دار اللؤلؤة، بيروت “.
[11] سورة يوسف ، الآية رقم (21)




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام