الخميس 17 جمادى الأولى 1445 هـ || الموافق 30 نونبر 2023 م


قائمة الأقسام   ||    مختصر المنتقى من الفتاوى وزياداته    ||    عدد المشاهدات: 5275

حكم اتخاذ سترة في الصلاة

 بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني 


س 425: هل السترة واجبة في الصلاة وما هو الراجح؟


ج 425: سبق الجواب في غير ما مجلس عن هذه المسألة وحاصل ما قلناه آنفًا هو قولنا: اختلف أهل العلم في وجوب السترة في الصلاة من عدمه على قولين: فذهب الجمهور إلى القول باستحبابها وادعى بعضهم اتفاق الفقهاء في ذلك والصحيح أن المسألة خلافية فأهل الظاهر على وجوبها وبه يقول الألباني والوادعي.

وقد استدل من يقول بوجوبها بأدلة ثابتة كثيرة منها:

ما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن(1) منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته"(2).

وبما أخرجه ابن خزيمة مرفوعًا: "لا تصل إلا إلى سترة"(3).

وبما أخرجه الشيخان عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان"(4).

فأجاب الجمهور بأجوبة عدة أقواها:

ما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: أقبلت راكبًا على حمار أتان(5) وأنا يومئذ قد ناهزت(6) الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف وأرسلت الأتان ترتع(7) فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي(8).

فقال بعضهم هذا دليل صرف الوجوب إلى الاستحباب.

فقال بعض الظاهرية: لا يمنع أنه صلى إلى سترة غير جدار.

فيجاب ولماذا ذكر ابن عباس الجدار ولم يذكر السترة ثم الجدار هو كل ما ثبت على الأرض والسترة في الأصل توضع من أجل أن تثبت إذ لا يرد في العربية أن الجدار لا يهدم.

ثم لم يثبت عن أحد من السلف أنه نقل لنا الوجوب بل قال كثير من أهل العلم إن السلف لم يكونوا مواظبين على فعلها.

والحاصل أن القول باستحبابها أقوى لما سبق بيانه وتوضيحه.

أما هل الصلاة تبطل إذا مر بين يدي المصلي الحمار أو الكلب الأسود أو المرأة الحائض فالجواب ذكر أبو الطيب في (عون المعبود) خلاف العلماء في تفسير حديث أبي ذر - رضي الله عنه - الذي أخرجه مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود" قلت: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر، قال: يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: "الكلب الأسود شيطان"(9).

قال أبو الطيب: (اختلف العلماء في هذا فقال بعضهم يقطع هؤلاء الصلاة وتبطلها. قال أحمد بن حنبل يقطعها الكلب الأسود وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء. وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهم وجمهور العلماء من السلف والخلف لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ولا من غيرهم وتأول هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها قاله النووي)(10).أ.هـ

والحاصل أن القول بالتأويل بمعنى قطع الأجر أو نقصانه وبراءة الذمة أقوى من الأخذ بظاهر الحديث لأن الصلاة لا تبطل إلا بفقدان شرط أو ركن أو فسادهما وما دون ذلك لا يلتفت إليه عملًا بعامة الأدلة الأخرى؛ وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــ
([1]) فليقترب.
([2]) أخرجه أبوداود في سننه [كتاب الصلاة، باب الدنو من السترة (1/242 رقم 695)] من حديث سهل بن أبي حثمة.
([3]) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه [كتاب الوضوء - باب النفخ في اليدين بعد ضربهما على التراب للتيمم (1/135 رقم 268)] من حديث ابن عمر.
([4]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه (1/191 رقم 487)]، ومسلم في صحيحه [كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي (1/362 رقم 505)] كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري.
([5]) أنثى الحمار.
([6]) قاربت الاحتلام أي البلوغ.
([7]) ترعى (تأكل ما تشاء) وقيل تسرع في المشي.
([8]) أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير (1/41 رقم 76)]، ومسلم في صحيحه [كتاب الصلاة، باب سترة المصلى (1/261 رقم 504)] كلاهما من حديث ابن عباس.
([9]) أخرجه مسلم في صحيحه [كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي (1/365 رقم 510)] من حديث أبي ذر.
([10]) أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، عون المعبود شرح سنن أبي داود (2/280)، مصدر سابق.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام