الثلاثاء 5 ربيع الآخر 1446 هـ || الموافق 8 أكتوبر 2024 م


قائمة الأقسام   ||    قواعد واصول العقيدة والتوحيد    ||    عدد المشاهدات: 5119

الحلقة (11)

القاعدة الحادية عشرة

الولاء لكل مسلم على قدر إيمانه وبغضه على قدر عصيانه

يقول تعالى: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"([1]).

الوَلاية بمعنى المحبة والنصرة، وضدها البراءة وهي بمعنى البغض، ويلزم المسلم أن يوالي أخاه المسلم بالمحبة في الله ونصرته على عدوه، فإن والى أعداء الله ضد أخيه المسلم فقد أبغض أخاه بمجرد الموالاة لأهل الكفر، وهذا جرمٌ عظيم حرمه ربنا سبحانه بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ..إلى قوله تعالى: وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ"([2]).

 

وقال جل شأنه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"([3]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (35/94): "والواجب على كل مسلم أن يكون حبه، وبغضه، وموالاته، ومعاداته تابعاً لأمر الله ورسوله، فيحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، ويوالي من يوالي الله ورسوله، ويعادي من يعادي الله ورسوله، ومن كان فيه ما يوالي عليه من حسنات، وما يعادي عليه من سيئات عومل بموجب ذلك كفساق أهل الملة إذ هم مستحقون للثواب والعقاب، والموالاة والمعاداة، والحب والبغض، بحسب ما فيهم من البر والفجور فإن:"مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ([4]) خَيْراً يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ"، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة بخلاف الخوارج والمعتزلة، وبخلاف المرجئة والجهمية فإن أولئك يميلون إلى جانب، وهؤلاء إلى جانب، وأهل السنة والجماعة وسط" اهــ.

والأمر كما ذكر شيخ الإسلام إلا أن هذا الأمر لا يعني عدم النكير على المبتدعة والتحذير من ضلالهم ومنهم، وبغضهم وعلى ذلك أيضاً مذهب أهل السنة والجماعة، فإن المسلم المبتدع يُوُالَى كونه مسلماً مع إقامة الحجة عليه فيما هو فيه من البدع والتحذير من بدعته إن لم يرجع، ولكن لا يخذل إن حارب العدو أو اختلف معه، بل يلزم نصرته والدفاع عنه كونه مسلماً والجهاد في صفه لدحر العدو إذ الضلال يتفاوت، ومسلم مع ضلاله خير للمسلمين من كافر حربي يحارب الله ورسوله جهاراً نهاراً.

هكذا علمنا ديننا الإسلامي، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يسلمه([5])، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة([6]) فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة"([7]).

ولحديث: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم ويرد على أقصاهم»([8]).

فله من الحقوق العامة والخاصة ما له وعليه من البغض والهجران ما يستحق بقدر بدعته وضلاله.

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله تعالى -: "وإذا كان مؤمن عنده إيمان وعنده معصية، فنواليه على إيمانه، ونكرهه على معاصيه، وهذا يجري في حياتنا؛ فقد تأخذ الدواء الكريه الطعم، وأنت كاره لطعمه، وأنت مع ذلك راغب فيه؛ لأن فيه شفاء من المرض، وبعض الناس يكره المؤمن العاصي أكثر مما يكره الكافر، وهذا العجب، هو قلب للحقائق، فالكافر عدو لله، ولرسوله، وللمؤمنين»([9]) اهـ.

كما يخرج عن الموالاة المشروعة موالاة المسلم صديقه أو شيخه أو جماعته في كل شئ يُفضي إلى التحزب الذي يعادي في سبيله ويناصر في سبيله كل من وافقه على طريقته وفكره وإن خالف الشرع.

فإن هذا من البدع المضلة المفضية إلى منهج الخوارج والروافض والنعرات الجاهلية، والله يتولى الخلائق.

 


([1])  سورة المائدة، الآية رقم: 55 –56.

([2])  سورة الممتحنة، الآية رقم : 1.

([3])  سورة المائدة، الآية رقم : 51.

([4]) وزن أصغر النمل الأحمر، أو وزن ما يُرى في شعاع الشمس الداخل في النافذة.

([5])  يحميه من الهلاك.

([6])  هماً أو غماً.

([7])  متفق عليه من حديث ابن عمر.

([8])  أخرجه أبو داود في سننه، والنسائي في السنن الكبرى، وابن ماجة في سننه، وأحمد في مسنده (2/268 رقم 959)، والحديث صحيح بشواهده.

([9]) ابن عثيمين، مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (3/11،12).

 




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام