علاقة ناصر اليماني وأدعياء المهدية بالشيطان الرجيم
الحلقة (3)
في عام 1979م ادعى بعضهم أنه رأى رؤيا منامية مفادها ان محمد بن عبد الله القحطاني " المهدي" و: أنه رأى النبي يقول له: إنه المهدي رغم أنه لم ير صورة النبي عليه الصلاة والسلام على حقيقته كما ورد في السنة الصحيحة، حيث جاء في السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام: " كان أحسن الناس وجها مثل القمر مستديراً، ليس بالطويل الذاهب، ولا بالقصير، ربعة من القوم، أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، مشربا وجهه حمرة، ضليع الفم، أشكل العينين، منهوس الكعبين، وكان شعره يضرب منكبيه، يبلغ شعره شحمة أذنيه"، هذه هي صفات النبي عليه الصلاة والسلام الخلْقية، وهي المقصودة من قوله عليه الصلاة والسلام: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي" أخرجه البخاري.
فمن رأى القحطاني لم ير النبي عليه الصلاة والسلام في منامه بهذه الصفات، وإنما رأى شيطاناً أوهمه أنه رسول الله، ولو كان هو النبي لرآه بصفاته التي سبق ذكرها من السنة، والتي يصعب على الشيطان أن يتمثل بها كما في الحديث.
وفي الحديث أيضاً دلالة على أن الشيطان قد يأتي الشخص في منامه ويوهمه أنه النبي لكن الصفات هي المقياس في كونه النبي أو لا، كما تقدم.
فلما علم جهيمان بن محمد العتيبي بهذا الحلم من نسيبه القحطاني او غيره أقنع القحطاني أن ذاك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن القحطاني هو المهدي، فانتشر حلم القحطاني، وصار له أتباع كثيرون، وصارت الأحلام الشيطانية تتكرر لدى الأتباع أن القحطاني هو المهدي، فاستغل الشيطان هذا الموقف، وصار الأتباع يقنعون الناس بالأحلام أن القحطاني هو المهدي، فنشط ابليس في باب الأحلام وخاصة مع المصاب منهم بالعين والمس والسحر.
هكذا أيضاً ناصر بن محمد اليماني حصل له الحلم نفسه، أنه رأى وكأن النبي يقول له : إنه المهدي رغم أنه لم ير صورة النبي عليه الصلاة والسلام على حقيقته كما ورد في السنة الصحيحة، بل تتكرر مع أتباعه بمثل ما تكرر مع أتباع القحطاني، وصار أتباع اليماني نشيطين في إقناع الناس بأن اليماني هو المهدي، فاستغل الشيطان هذا الباب لتتكرر الأحلام برؤى مختلفة ومتقاربة توهمهم أن المهدي هو اليماني.
يقول أحد التائبين ممن كان من أتباع ناصر اليماني ثم تاب إلى الله : كانت الرؤى تتكر علينا، ونشعر بحلاوة الايمان لما نراها، لكننا أهملنا جانب العبادة ومن ذلك الصلاة، وخصوصاً أن ناصر اليماني قال لنا : إن المسلمين اليوم يصلون صلاة الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات، وهذا غلط لجهل المسلمين، والصواب أن الصلاة فقط عبارة عن ركعتين سنة وركعتين فرض، ولجهل المسلمين جمعوا السنة مع الفرض فصلوا أربع ركعات، ثم قال لنا : إذا كنتم معهم صلوا مثلهم لأنهم سينكرون عليكم، ثم قال التائب : فترك بعضنا الصلاة وصار لا يصلي، وصار ينتظر متى يرى حلماً جديداً ليشعر بحلاوة الايمان، والحقيقة أنه ليس هناك حلاوة إيمان وإنما يقذف الشيطان في النفوس الانبساط، فيظن بعضنا أنه ملك من الملائكة بسبب الايمان بناصر اليماني الذي يدعي أن الوحي يأتيه في المنام ويصحح له أحكام الإسلام أو ينسخ أحكام الاسلام".اهـ
قلت : هكذا يوهم الشيطان الناس في الأحلام لدرجة أن يجعلهم يهملون العبادات، ويصدقون الترهات، والأحلام الشيطانية في مدعي المهدية، فيحصل لهم اطمئنان وهو نوع من الابتلاء فيصدقون أن الدجال الفلاني رجل صالح، وأنه المهدي، وليس في أعماله أثر من صلاح.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى (27/458) : " فأما المنامات فكثير منها، بل أكثرها كذب، وقد عرفنا في زماننا بمصر والشام والعراق من يدعي أنه رأي منامات تتعلق ببعض البقاع إنه قبر نبي، أو أن فيه أثر نبي، ونحو ذلك، ويكون كاذباً، وهذا الشئ منتشر، فرائي المنام قد يكون كاذباً، وبتقدير صدقه فقد يكون الذي أخبره بذلك الشيطان، ورؤيا المحضة التي لا دليل يدل على صحتها لا يجوز أن يثبت بها شئ بالاتفاق"اهـ
وقال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام (1/231-232): "وأضعف هؤلاء احتجاجا قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المنامات، وأقبلوا وأعرضوا بسببها فيقولون : رأينا فلاناً الرجل الصالح فقال لنا : اتركوا كذا، واعملوا كذا، ويتفق هذا كثيرا [ لـ ] المترسمين برسم التصوف، وربما قال بعضهم: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقال لي كذا، وأمرني بكذا، فيعمل بها ويترك بها، معرضا عن الحدود الموضوعة في الشريعة، وهو خطأ ، لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال" اهـ
ثم المهدي الذي أخبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام رجل خلافة، يبايعه العلماء والناس على الخلافة ولا يصح أنه عالم أو يرجع له الناس في الفتيا وعلوم الشرع المطهر، ولا يدعي أنه ينسخ الأحكام الشرعية ويبدلها، ولا يقول إنه يأتيه الوحي من السماء عبر الأحلام، بل هو متبع للكتاب والسنة على منهج أصحاب رسول الله، يجل العلماء ويعرف قدرهم ولا يطعن فيهم، ولا يتحداهم بشرع يأتي به من الشياطين، و يحكم سبع سنين، ويفتح الله على يديه الأمصار، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، كما سيأتي إيضاح كل ما ورد فيه من الأحاديث الصحيحة في فصل مستقل من هذه الدراسة، فهو بخلاف هذا العامي الدعي ناصر اليماني الذي لا يظهر عليه سمة الصالحين، والذي نصب نفسه عالما للأمة، وادعى أن عنده علم الكتاب، وقال : إن الله علمه ما لم يعلمه أحداً من العالمين، وقال : يجب على العلماء أن يأخذوا منه العلم وينقادوا له قيادة وعلماً، ورماهم بالضلال والجهل، وبدل بعض أحكام الشريعة، ونقض بعض أصولها المعلومة من الدين بالضرورة كما أسلفت في المقالين السابقين، وقد سبق أن ضربت أمثلة مجملة بما لا يحتاج إلى تكرار، وسيأتي نقاشها مفصلة من كلامه ومنشوراته بأرقامها وتواريخها بإذن الله مع الجواب عليها وفق أدلة الشريعة المطهرة التي سعى العقيد ناصر اليماني إلى تحريفها وتبديلها بموجب ما يملي عليه شياطين الجن الذين تلبسوا به في ظل سكوت الحكومة اليمنية التي أخل أرباب القضاء الشرعي فيها من أن يقوموا بواجبهم تجاهه وتجاه أمثاله من رؤوس الفتنة الضلال.
لكن يا ترى إذا مات العقيد ناصر اليماني هل ستنقطع المهدية عنه أم أنه سيدعي النبوة قبل موته ليستمر ضلاله بعد هلاكه كما كان عليه نظيره الميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى عام ١٨٢٦م أنه المهدي، ثم ادعى النبوة فاهلكه الله، وبقي اتباعه على ضلالهم من بعده حتى اليوم، وهم المعروفون بـ ( القاديانية) وتارةً يطلقون على أنفسهم ( الأحمدية).
وللكلام بقية أستأنفه في حلقة قادمة بإذن الله، وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.