حرب غزة والأراضي الفلسطينية
ضمن سلسلة الواقعة المعاصرة بين الحداثة والسياسية الشرعية (1)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
من المصائب التي حلت بالمسلمين في ظل ضعفهم وتفرقهم وكثرة اختلافاتهم : احتلال الصهاينة للأراضي الفلسطينية منذ عام 1948م حتى ساعتنا هذه بدعم لا محدود من أمريكا والدول الأوربية ومن معها من أعداء الاسلام.
وقد كان موقف الدول العربية والإسلامية محدوداً على الشجب والرفض، وقديمًا قامت حروب عربية ضد الصهاينة لكنها كانت مسيسة من جهة، وضعيفة من جهة أخرى نظرًا لعدم وجود قيادة إسلامية موحدة تحت لواء واحد على منهاج النبوة، فكانت الغلبة للصهاينة.
وأقوى المواقف قديماً من القضية الفلسطينية موقف الدولة السعودية، فقد ذكر السيد زهرة في صحيفة أخبار الخليج البحرينية تفاصيل اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز وروزفلت حيث يقول فرانسيس بيركينز، أحد أعضاء الوفد المرافق للرئيس الأمريكي روزفلت، إن ابن سعود – يعني الملك عبد العزيز - قال للرئيس الأميركي: رغم حاجتنا الماسة للمساعدات فإن العرب يفضلون الموت على التخلي عن أرضهم لليهود”.
وحين قدم الملك فيصل بن عبد العزيز إلى مدينة الظهران والتقى برئيس شركة التابلاين الأمريكية، قال له: إن أي نقطة بترول تذهب إلى إسرائيل ستجعلني أقطع البترول عنكم”، ولما علم أن أمريكا أرسلت مساعدة لإسرائيل قطع عنها البترول، فقام المتظاهرون في أمريكا، يهتفون: نريد البترول ولا نريد إسرائيل”.
وحديثاً عندما دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن كان موقف السعودية ومصر والأردن وبعض الدول العربية والاسلامية مشرفاً برفضه جملة وتفصيلاً.
إن عامة الشعوب العربية والاسلامية ودولها ضد هذا الاحتلال، لكن الجهود لم تتوحد في ظل المناهج والفئات والأحزاب المختلفة التي منها جهات تعمل لصالح الصهاينة والمجتمع الدولي المحارب للقيم والعدالة والإسلام.
الذي يعانيه أهل غزة وبعض المدن الفلسطينية أكثر مما يوصف من الاضطهاد والقتل والتجويع والتهجير والتخويف.
إنهم يعانون من الإبادة الجماعية تحت مدافع وقذائف وصواريخ طيران العدو الصهيوني حتى كتابة هذه الأحرف.
ومهما كتبت أو كتب غيري عن تلكم المأساة فلا يمكن حصر كل ما يعانيه هذا الشعب العزيز المحتل.
لكن من المؤسف له: أن بعض الإعلام العربي والإسلامي وكذلك فئات وأصحاب مناهج أخرى أخرجوا القضية من حيز النصرة إلى حيز النقد الحزبي والفردي ليأتي من يقول إن حماساً منظمة إخوانية، وإن حماساً هي من بدأ بالهجوم على الصهاينة، وإنها تستحق التدمير وتستحق هذه الحرب وأكثر ، بل ظهر ممن ينتسب للإسلام في مقاطع فيديو من يدعو الله أن ينصر " نتنياهو" على حماس، ويدعو على حماس وقادتها بالهزيمة والخذلان حتى أفرحوا العدو بذلك متناسين ما هو أعظم من خطأ حماس وهو احتلال الأرض الاسلامية وهتك أعراض الأسرى من الرجال والنساء والصبيان وسفك دماء الأبرياء من الاطفال والنساء والشيوخ والتنكيل بهم بلا هوادة من قبل الصهاينة منذ عام 1948م حتى هذه الساعة بتأييد ودعم أمريكي ودولي.
ولا شك أن هذا الخروج المتهور من تلكم الفئات الإسلامية تعدى حدود الحكم الشرعي في المسألة، وتعدى مسالك السياسية الشرعية، كما قال مالك بن زيد مَنَاة سبط تميم بن مرة لأخيه سعد :
وأوْرَدَهَا سَعْدٌ وسَعْدٌ مُشْتَمِلْ مَا هكَذَا يا سعدُ تُورَدُ الإبل
من ناحية شرعية عندما أختلف مع مسلم أو جماعة وقد قامت الحرب بينهم وبين أعداء الله وخاصة المغتصبين المحتلين منهم فإنه يلزمني شرعاً أمران: الأول وجوب نصرة المسلمين على أعداء الله، والثاني : وجوب الدفاع عن أرض المسلمين لأنها أرضي أيضاً كمسلم مهما كان خطأ المسلم أو خطأ تلك الجماعة الاسلامية التي أختلف معها فكرياً أو عقائدياً ما داموا في دائرة الاسلام، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم لأن عدونا مشترك فلا بد من اتحاد الكلمة ضد الكفر وأهله مع الولاء لكل مسلم والبراء من الكافر المحارب المحتل، فأخي المسلم له ما لي وعليه ما علي، وبعد النصر والظفر على أعداء الله نبدأ بمناقشة ومحاكمة كل من تسبب في سفك دماء المسلمين تحت مظلة الشريعة الاسلامية، أما أني أحارب إخواني المسلمين بسبب خلافات بيننا في وقت الحرب وأخذلهم وأحذر منهم فإني بهذا الصنيع إنما أقف في صف العدو لمحاربة الاسلام وأهله، وفي ذلك نوع من الموالاة لأعداء الله، والله سبحانه يقول : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" وقال ربنا سبحانه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المسلِمُ أخُو المسلِمِ ، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ ، ولا يَحقِرُهُ ، التَّقْوى ههُنا – وأشارَ إلى صدْرِهِ – بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وعِرضُهُ".
ما أقبحها عندما يطالعنا الصهيوني اليهودي العقيد أفيخاي أدرعي واصفا هذا الصنف من المسلمين بالشرفاء الذين اصطفوا معهم في الحرب على غزة.
من ناحية أخرى الإعلام العربي والاسلامي لم يقم بدوره الصحيح تجاه إخواننا في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية حيث اقتصر على نقل الأحداث مع استضافة محللين سياسيين بعضهم ممن يسكب الزيت على النار، والواجب على الإعلام العربي والإسلامي أن يستضيف كبار علماء الأمة الإسلامية من جميع أقطاب الأرض ليناقش معهم حلول هذه القضية مع بيان ما يجب على الشعوب الإسلامية تجاه هذه المعضلة، واستقطاب بقية أهل الحل والعقد في بلداننا العربية والإسلامية لدراسة هذه القضية ووضع الحلول والمقترحات قريبة المدى لإيقاف حرب الصهاينة، وأخرى بعيدة المدى تقضي ببناء جيش إسلامي كبير تحت قيادة إسلامية مستقلة على منهاج النبوة للدفاع عن الاسلام وأهله وأوطانه.
والله من وراء القصد.