سبع جلسات تفاهم مع منكر السنة (1)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الجلسة الأولى: المقدمة
قبل أن نحكم على شيء، لا بد أن نعرفه كما هو، ونتأمله بعقل سليم، لا بعاطفة مشحونة، ولا بانفعال سابق.
ولذلك أرجو منك – أيها القارئ الكريم – أن تكمل قراءة هذه السلسلة إلى آخر حلقة، ثم لك أن ترد أو تقبل، لكن بعد فهم ما طرح فهما دقيقا، لا انتقاء ولا اجتزاء.
فإن كنت ممن أنكر السنة ظنا أنها تخالف العقل، أو تناقض ظاهر القرآن، أو أنها دونت متأخرة، أو أنها كانت مجالا للوضع والتحريف، فإن هذه الحلقات كتبت لك أنت.
اقرأها بعقل مفتوح، لا بعين الخصومة، وسنلتقي في كل حلقة عند مفترق من مفترقات الفهم.
وابحث عن الحقيقة، فإنها لا تَخشى البحث النزيه، فلنبدأ النقاش.
الجلسة الأولى: هل يمكن أن نفهم أي علم من العلوم بالعقل من غير معلم متخصص؟
خذ أي مادة علمية: في الطب، في القانون، في الفيزياء، في الهندسة، ونحوها من العلوم، هل يستطيع أي إنسان أن يفهم دقائق هذه العلوم من ظاهرها أو رموزها المجردة دون الرجوع إلى شروح المتخصصين وبيانهم؟
هل يستطيع من قرأ كتابا في الطب العام أن يجري عملية جراحية؟
هل يمكن لمن قرأ قانونا أن يفتي في نزاع قضائي دون الرجوع إلى شروح القانونيين؟
هل يمكن لمن قرأ كتابا في اللغة العربية مثل النحو، أو الصرف، أو البلاغة، أو الإنشاء، أو العروض، أو كتابا في علم التفسير أو أصول الفقه أو علم الحديث ونحوها من العلوم أن يفهم دون الرجوع إلى معلم متخصص يشرح له الكتاب؟
هل من العقل أن يحكم إنسان على مسائل فيزيائية لمجرد أنه قرأ المعادلات دون أن يفهم مقاصد واضعيها؟
فإذا كان هذا في العلوم الوضعية التي صنع قواعدها البشر، فهل يعقل أن يكتفي الإنسان بالنظر المجرد في نصوص القرآن دون الرجوع إلى بيان النبي الذي نزل عليه هذا القرآن؟
إن من أوحى الله إليه هو أولى الناس بفهم الوحي وتفصيله، وأصدق من عبر عن مراد الله.
فكيف يقبل العقل تفسير طبيب للطب، ومهندس للهندسة، وقاض للقانون، ثم إذا جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليشرح كلام ربه، قلنا: لا نحتاج شرحه، ولا نثق ببيانه؟
أي تناقض هذا؟ وأي عقل هذا الذي يقبل بكل شرح، ويرفض بيان من عصمه الله من الخطأ، وأمرنا باتباعه؟
فليكن العقل عقلا بالفعل، لا ستارا يخفي الهوى، ولا سيفا يسل على الوحي.
فمن جعل عقله حاكما على كلام الله ورسوله، فقد ناقض نفسه، وترك العقل باسم العقل، لأنه لا يجوز أن نجعل العقل الكائن في جسد المخلوق حاكما على شرع الخالق سبحانه.
نكمل غدا بإذن الله مع حلقة جديدة.