السبت 18 ربيع الآخر 1447 هـ || الموافق 11 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    من قدم عقله على الوحي فقد أعلن الحرب على الله    ||    عدد المشاهدات: 93

من قدم عقله على الوحي فقد أعلن الحرب على الله (1)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

الحلقة الأولى: من جعل عقله إلها يعبد من دون الله


قال الله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا)

العقل: أداة التفكير والتمييز بين الحق والباطل والخير والشر، وليس بشرع، وإنما يخضع للشرع (أدلة الوحي)، ولو قدم على الشرع لعبد من دون الله.

الهوى: الميل النفسي إلى ما يشتهيه الإنسان ويرغبه ولو كان باطلا.

فمن قدم العقل على الشرع فقد مال بهواه إلى اتخاذ العقل إلها من دون الله.

ولذلك لم يعد الوثن حجرا يعبد فحسب، بل صار العقل صنما جديدا، يضعه فوق كل شيء، حتى فوق وحي الشرع، وفوق كلام الأنبياء، بل فوق كلام الله وحكمه سبحانه.

يتوهم هؤلاء أن عقولهم قادرة على الإحاطة بكل شيء، فإن لم تدرك عقولهم شيئا أنكروه، وإن لم يفهموا نصا رفضوه، وإن عارض القرآن ما تعقله أفكارهم، نبذوا القرآن واتبعوا عقولهم، وكأنها معصومة لا تخطئ.

الإسلام لا يلغي العقل، بل يعليه، ويدعو إلى التفكر والتعقل، كما قال تعالى (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)

لكن العقل في الإسلام أداة لفهم الوحي، وليس حكما عليه، كما أن الميزان يستخدم لوزن الذهب، لا لتحديد قيمته.

يقول الشاطبي كما في الاعتصام (2/609): (المراد بالمصلحة عندنا ما فهم رعايته في حق الخلق من جلب المصالح ودرء المفاسد، على وجه لا يستقل العقل بدركه على حال، فإذا لم يشهد الشرع باعتبار ذلك المعنى، بل شهد برده، كان مردودا باتفاق المسلمين).

ومن العجب العجاب أن أغلب هؤلاء العصريين لم يدرسوا علم المنطق والعلوم العقلية ولا الشرعية، ولذلك فهم عوام في هيئة متعلمين، من قرأ لهم من أهل العلم أدرك أنهم عالة على هذه العلوم، وأنهم يكتبون ما لا يحسنون، فإن من كتب في غير فنه أتى بالعجائب، كالذي يكتب في الطب دون دراسة، أو قرأ كتابا في الطب دون دراسة أصول الطب، فجاء إلى أعاظم الأطباء ليرد على مقالاتهم، فلا بدايتهم علمية صحيحة، ولا هم ممن استفادوا من تجارب من سبقهم ممن جعلوا عقولهم إلها يعبد، ثم أدركوا خطأهم في نهاية أعمارهم فتراجعوا، وهكذا بدأ العصريون من الصفر ليخرجوا بالرقم نفسه، وأغلبهم لا يريد غير الشهرة التي لا تقربه إلى الله زلفى، فخفة العقل أن لا تستفيد ممن خاض ما تخوض فيه لتبدأ حياتك بطريقة صحيحة من حيث انتهى من سبقك، فإنك بجهلك تضل، وتضيع معك من كان فارغا من الحصانة.

العقل نعمة عظيمة، لكن العقل ليس إلها، ولا يستطيع إدراك كل شيء، بل هو محدود، يحتاج إلى هداية الوحي، ونور الإيمان.

وسأسوق أمثلة واضحة تبين قصور العقل وعجزه عن إدراك كل شيء:

أولا: العقل يعجز عن إدراك حقائق الغيب.

لا يستطيع العقل أن يعرف وحده: ماذا بعد الموت؟ وكيف هي الجنة؟ وما صفات الملائكة؟

لو لم يخبرنا الوحي لما عرفنا شيئا من هذا.

قال تعالى: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم).

فالغيب لا يدرك بالعقل، بل بالخبر الصادق من الوحي: كتاب أو سنة.

ثانيا: العقل لا يدرك بداية الخلق ولا حقيقة الكون.

العقل يتساءل: من أين بدأ الكون؟ هل له حد؟ هل له نهاية؟ ماذا قبل الانفجار العظيم؟

لكن كل محاولة عقلية بحتة تتوقف عند جدار الغيب، ويقف العقل حائرا عاجزا.

قال تعالى: (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم).

ثالثا: العقل قد يتناقض مع نفسه.

هناك من ينكر وجود الخالق بحجة أنهم لم يروه، ومع ذلك يصدقون بالجاذبية التي لا ترى.

وهناك من يزعم أن الكون وجد بالصدفة، مع أن عقولهم في حياتهم ترفض الصدفة في أبسط الأمور.

فكيف تقبل بعقلك أن المصباح لا يعمل دون كهرباء، ثم تقول إن هذا الكون كله لا يحتاج إلى خالق؟

رابعا: العقل يخطئ في البديهيات.

الإنسان قد يخدع نفسه، أو يقع في وهم، أو يتبع ظنه.

مثال ذلك: السراب في الصحراء، يبدو ماء، والعقل يحكم بذلك، لكنه خداع بصري.

قال تعالى: (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء).

خامسا: اختلاف العقول واختلاف الأحكام.

لو كان العقل وحده كافيا، لاتفقت آراء البشر.

لكن نرى كل عقل يقول شيئا مختلفا: هذا يرى القتل حرية، وذاك يراه جريمة.

عقول البشر تختلف حسب الثقافة، والهوى، والتجربة، ولهذا لا يمكن الاعتماد عليه وحده.

سادسا: أعظم العقول عجزت أمام القرآن.

تحدى الله البشر أن يأتوا بمثل هذا القرآن، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

أين عقول فلاسفة اليونان؟ أين مفكرو الغرب؟ لم يستطيعوا الإتيان بسورة من مثله.

إذن العقل ضعيف جدا أمام الوحي.

قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله).

والحاصل: أن العقل نور، لكن الوحي شمس، والنور لا يغني عن الشمس.

فالعقل وحده لا يهدي إلى الله، بل قد يضل صاحبه إن اتبعه بلا وحي.

وقد قال العلماء: العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، وإنما يضل من قدم العقل على الوحي أو خالفه بهواه.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام