من قدم عقله على الوحي فقد أعلن الحرب على الله (2)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
حين عبد إبليس عقله كفر بربه
إبليس أول المتناقضين، وقدوة العقلانيين في تقديم العقل على النقل، ففي لحظة من لحظات التاريخ الأولى، في بدايات الخلق، حين أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، خضع كل خلق الله لأمره، إلا إبليس، وقف وحده، بكبر يعصف في قلبه، وبرأي يرى فيه نفسه أعظم من الطاعة، رافضا الأمر الرباني، غير آبه بمن أمر، بل منشغلا بمن أمر له.
قال الله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين)
إنه أول من رفع راية العقل على الوحي، وأول من قدم القياس على النص، وأول من قال: أنا أعقل من أن أطيع، إلا إذا اقتنعت.
قال الله تعالى عن حجته الواهية: (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين).
فانظر إليه، إنه يعترف أن الله خالقه، ويؤمن أن آدم مخلوق من طين، لكنه يتجرأ ليقول: أنا أعلم من الله بالحكمة.
يا حسرة العقل حين يتخذ إلها من دون الله، ويا شقاء القلب إذا عبد الرأي وترك النص.
كيف تعبد ربك ثم تعصيه إن لم تقتنع.
كيف تؤمن أن الله هو الحكيم الخبير، ثم تزن أوامره بميزانك الصغير.
لقد وقع إبليس في أول وأشد تناقض عرفته الخليقة
آمن بالخالق، لكن رد أمره
وعرف مصدر الأمر، لكنه طعن في موضوعه.
وشهد أنه من الله، لكنه احتكم إلى عقله.
قال أحد العلماء: ما عبد أحد عقله على حساب النص، إلا تشبه بإبليس في أول معصية عرفها الوجود.
العبد الصادق لا يزن أمر الله بعقله، بل يزن عقله بمراد الله
وكلما عجز فهمه، ازداد خضوعه.
إن السجود لآدم لم يكن عبادة له، بل كان امتحان طاعة، واختبار خضوع
إبليس لم يفشل في الفهم، بل فشل في التسليم.
ولذلك قال العلماء: العقل إذا لم يسلم للوحي، صار وبالا على صاحبه، ومركبا للضلالة.
لذلك كل منكر للوحي، فيه من إبليس شبه.
من قال: لا أومن ببعض الأحاديث الصحيحة لأنها تخالف العقل، فقد عبد هواه كما عبد إبليس رأيه.
ومن قال: أرفض آيات وأحاديث الحدود أو الحجاب أو الجهاد لأنها لا تناسب العصر، فقد سجد لعقله، ووقف لله كما وقف إبليس.
ومن قال: أنا مؤمن بالله، لكن أرفض بعض أوامره أو بعض أوامر رسوله، فقد نطق بالكلمة نفسها التي أخرجت إبليس من رحمة الله.
فإياك أن تكون من أبناء العقل الجائر، أو من سلالة الفكر المتكبر.
العقل نعمة، ويجب عليه حين يقف على باب الوحي، أن يقول: سمعنا وأطعنا.
فكم من أمر لم تفهمه اليوم، وستحمد الله عليه غدا.
وكم من أمر في الدين، ظهر لك غريبا، ثم رأيت حكمته بعد حين.
العقل الذي يهتدي بالوحي، كالنجمة التي تهتدي بالقمر
أما الذي يستقل عن الوحي، فهو كتائه في الظلام يتبع ظله حتى يسقط.
وعلى هؤلاء العقلانيين أن يستوعبوا دروسا من قصة إبليس، أهمها ثلاثة:
الأول: أن تقديم العقل على النص الشرعي ضلال مبين، وهو طريق من سبقنا في الغواية
الثاني: أن من لا يسلم لأمر الله كاملا، فهو على خطر، ولو زعم الإيمان.
الثالث: أن الكبرياء والقياس العقلي المجرد قد يفسد الدين ويغلق باب الهداية.
فيا من يقدم عقله على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا تكن إبليس الثاني، فإذا أمرك الله، فقل: سمعنا وأطعنا، وإن لم تفهم، ولا تقل هذا كلام يخالف العقل.
وإذا جاءك نص من كتابه أو سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فاعلم أن فيه الحكمة وإن غابت عنك.
قال الله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
إبليس لم يطرد من رحمة الله لأنه لم يفهم، بل لأنه لم يسلم، فإياك أن تكرر خطيئته، ثم تقول: أنا مؤمن، لكن على طريقتي.