من قدم عقله على الوحي فقد أعلن الحرب على الله (4) والأخيرة
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
نماذج من عودة كبار العقلانيين والملاحدة إلى الله
مهما بلغ الإنسان من الذكاء والتفكير والبحث، سيصل حتمًا إلى حدود يعجز عندها العقل، وتخر أمامها كل العلوم العقلية، وتنكسر عندها الأنا المتكبرة، فلا يبقى إلا الاعتراف بالحقيقة الكبرى: أن للكون إلها، وللحياة غاية، وللوجود خالقا عظيما. هذا ما وصل إليه كبار الملاحدة والمفكرين العقلانيين والفلاسفة والمثقفين بعد سنوات من الحيرة والبحث، فهدوا إلى الله، واعترفوا بعجز العقل وفشل الإلحاد.
وفيما يلي نعرض نماذج حية لهؤلاء، مع توثيق أقوالهم من مصادرها المعتمدة:
الأول: أنتوني فلو (Antony Flew): الملحد الأشهر الذي آمن بالله.
ظل الفيلسوف البريطاني أنتوني فلو يدعو للإلحاد أكثر من خمسين سنة، حتى وصف بأنه زعيم الإلحاد في القرن العشرين، لكنه فاجأ العالم عام 2004م بإعلانه الإيمان بوجود خالق، وقال في كتابه: (لا بد من وجود عقل لا محدود هو مصدر هذا الكون المنظم، لقد اضطررت إلى الاعتراف بأن أذكى تفسير لنشأة الكون هو أنه مخلوق من كائن ذكي) على حد تعبيره.
[المصدر: أن تؤمن أو لا تؤمن، ترجمة عمرو شريف، ص 79].
وصرح في لقاء مع قناة ABC، وقال: (لقد اتبعت الدليل، حيث قادني إلى وجود الله).
الثاني: جان بول سارتر (Jean-Paul Sartre): الفيلسوف الفرنسي الشهير وأحد رموز الوجودية الملحدة، أنكر وجود الله في كتبه، لكنه في أواخر حياته أقر بالخذلان، وقال: (لقد خدعت، والحرية المطلقة التي بشرت بها كانت وهما قاتلا، لقد أدركت ذلك متأخرا).
[المصدر: مذكراته الأخيرة، نقلًا عن كتاب: رحلة عقل، د. عمرو شريف، ص 335].
بل نقل عنه طبيبه الشخصي في آخر أيامه أنه قال: (لقد كان علينا أن نؤمن بالله منذ البداية).
الثالث: مالك بن نبي: المفكر الجزائري مالك بن نبي صاحب النظرية الحضارية المعروفة، تأمل العقل الغربي طويلا، ثم قال: (العقل قد يهديك إلى الطريق، لكنه لا يوصلك إلى نهاية المطاف، إن الروحانية هي ما تحتاجه النفس بعد جفاف الفلسفة).
[المصدر: شروط النهضة، ص 142].
الرابع: لي ستروبل (Lee Strobel): من الإلحاد إلى الإيمان بعد التحقيق.
كان صحفيا في صحيفة شيكاغو تريبيون، ملحدا متشددا، وزوجته مؤمنة.
قرر أن يثبت لها أن الإيمان مجرد خرافة، فبدأ رحلة تحقيق علمية استمرت عامين، انتهت بإسلامه، حيث قال: (كل ما قمت به كان بعقلي، لكن العقل وحده ساقني إلى اليقين بأن للمسيح إلها خالقا، ولا يمكن للكون أن يكون بلا خالق).
[المصدر: The Case for Christ].
الخامس: روجيه غارودي (Roger Garaudy): فيلسوف فرنسي شهير، كان شيوعيا ملحدا، ثم اهتدى إلى الإسلام، وقال: (كنت أظن أن العقل سيمنحني الطمأنينة، لكنني وجدت في الإسلام وحده المعنى، والطمأنينة، والنجاة من العبث).
[المصدر: وعود الإسلام، ص 25].
السادس: الدكتور جيفري لانغ (Jeffrey Lang): باحث رياضيات هزمه القرآن.
كان أستاذا في الرياضيات بجامعة سان فرانسيسكو، ملحدا في شبابه، لكن القرآن كان السبب في إسلامه، وقال: (في الرياضيات، نعتمد على المنطق، لكن القرآن فيه من المنطق والروح ما يعلو على كل المعادلات، لقد كنت أبحث بعقلي عن الحقيقة، فوجدت قلبي أول من سجد لله).
[المصدر: Struggling to Surrender، الفصل الأول].
السابع الدكتور عمرو شريف، وهو جراح دماغ مصري، كان متأثرا بالمادية العلمية، ثم صار من أبرز المدافعين عن الإيمان. قال: (العقل بدون إيمان مجرد أداة تحليل باردة، أما الإيمان فيعطي للحياة معنى، ويملأ القلب بالسكينة).
[المصدر: رحلة عقل، ص 22].
هذه شهادات من عاشوا تجربة الإلحاد حتى نهايتها، فلما سئموا دوران العقل في الدوائر، واستنفدوا كل وسائل الفكر والتجريب، لم يجدوا إلا باب الله، فجاءوا إليه منكسري العقل، لا فاقديه. جاءوا بعد أن بكى العقل، واعترف بعجزه، ونطقت الحقيقة، وقالت: (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك).
قال الله تعالى: (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير).