من قدم عقله على الوحي فقد أعلن الحرب على الله (3)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
تناقضات من عبدوا العقل وتركوا الشرع
في هذا اللقاء سأسرد لكم بعض الأمثلة الواقعية على تناقضات من جعلوا العقل إلها يعبد من دون الله، ورفعوه فوق الوحي، ثم وقعوا في سلسلة من التناقضات المحيرة التي تظهر قصور عقولهم، وسقوط منطقهم وتهورهم.
أولا: في وجود الله.
قالوا: لا نؤمن إلا بما نراه. ثم يؤمنون بالجاذبية والمغناطيس والذرة والإلكترون، ولم يروا شيئا من ذلك!
وقالوا: الله غير موجود لأنه لا يرى. ثم لا يطبقون هذا المنطق على العقل نفسه، فإنهم يؤمنون بالعقل ويقدسونه، وهم لا يرونه، وقس على ذلك؛ الهواء والطاقة.
وقالوا: ننكر وجود الخالق لأن الكون معقد، ولو رأى قصرا عظيما، قال: لا بد أن وراءه مهندسا عبقريا، فعجبا لهم وهم من يقول: لا بد لكل مصنوع من صانع، وعليه فيلزم وجود خالق للكون.
ثانيا: في الإيمان بالعلم.
قالوا: لا نؤمن إلا بما يثبته العلم، ثم يؤمنون بأفكار فلسفية محضة لا علاقة لها بالعلم (كأزلية الكون، وتعدد الأكوان، ونظرية الأوتار).
قالوا: ساخرين من الإيمان إنه غير تجريبي، ثم يؤمنون بالوعي الجمعي، والأخلاق الموروثة، والمعنى الوجودي للحياة، وكلها غير مادية.
قالوا: نرفض المعجزات بدعوى أنها لا تخضع للعلم. ثم يقبلون نظرية الانفجار العظيم رغم أنها حدث خارق لقوانين الكون ورغم أن الله أخبر عنه في كتابه بقوله (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما)
ثالثا: في الأخلاق.
قالوا: لا توجد مرجعية أخلاقية ثابتة، ثم يغضبون من الظلم والسرقة والكذب والقتل، وكأنها شر في ذاته!
قالوا: الدين هو سبب الحروب. ثم يتجاهلون أن الحربين العالميتين كانتا على يد دول عقلانية علمانية وأزهقتا أرواح أكثر من مائة مليون إنسان.
قالوا: لا ينبغي أن نفرض قيمنا على الآخرين. ثم يفرضون عليك قيمهم، ويحكمون على ما تؤمن به بأنه تخلف ورجعية وأساطير.
رابعا: في المرأة
يسخرون من الحجاب بحجة أنه يقيد حرية المرأة، ثم يفرضون على المرأة أن تتعرى لتنال القبول، ولا يراها حرة إلا إذا كشفت جسدها!
ينتقدون الإسلام لأنه يوجب على المرأة إذن الولي في الزواج. ثم يقبلون أن توقع المرأة عقد عمل فيه شروط مذلة، بلا أي ولي يحميها!
يصفون الزواج الإسلامي بأنه تجاري لأن فيه مهرا، ثم يقيمون حفلات زواج في الفنادق بتكاليف خيالية، ويعتبرون ذلك رومانسية!
خامسا: في العقل نفسه.
يقولون: نحن نؤمن بالعقل، ثم لا يستطيعون أن يعرفوا: هل عقولهم سليمة أم فيها خلل بيولوجي؟!
يقولون: العقل مستقل ويستطيع معرفة الخير والشر. ثم يختلفون مع غيرهم في تعريف الخير والشر، بل قد يرون القتل رحمة، والإجهاض حرية!
يحتكمون إلى العقل، ثم يعجزه ألوف الأسئلة: ما معنى الحياة؟ لماذا نموت؟ لماذا هناك معاناة؟ ما بعد الموت؟ ويقف عقله حائرا بلا جواب!
سادسا: في الدين
يقولون: السنة التي صح سندها ليست وحيا، ثم يتبعون آراء الملاحدة ويتبعون مقالاتهم دون بينة!
يقولون: لا نأخذ ديننا من بشر. ثم يأخذون ثقافتهم من بشر منحلين، لا نور لهم عبر كتب وفيديوهات!
يقولون: أنتم تتبعون التراث! ثم يقتبسون من فلاسفة الغرب والشرق الذين ماتوا منذ قرون!
يقولون: الإسلام يعامل غير المسلمين بوحشية، ثم يمدحون الملحد ستالين ويلقبونه بالصادق، وقد قتل أكثر من 20 مليونا، وقيل أكثر من 40 مليونا.
سابعا: في الحياة اليومية
يقولون: لا توجد حقيقة مطلقة، ثم يجزمون أن ما يقولون هو الحقيقة.
يقولون: كل شيء نسبي، ثم لا يقبلون مبدأ النسبية في الأخلاق واقعيا، فالملحد الذي يقول: الأخلاق نسبية، فلا شر مطلق ولا خير مطلق، بمعنى قد يكون شرا عندك وعند غيرك خير والعكس، نقول له: هل تقبل أن يسب أحد أمك أو يضربها، ويرى ذلك أخلاقيا؟ إن غضب، فقد نقض منطقه بيده.
يصفون كل أهل الدين بالظلامية. ثم يدعون إلى الحرية الشخصية المطلقة، ولا يسمح لك بحرية الاعتقاد إلا إذا كنت مثله!
يحتقرون الشرع في قضايا الحدود والقصاص، ثم يطالبون بعقوبات أشد في قوانين الدولة الحديثة!
ثامنا: في المصير
يسخرون من الجنة والنار، لكنهم يذعرون من الموت، ويخافون الفناء، ثم يعزون أنفسهم بأمل وهمي لا دليل عليه، لأن فطرتهم تنقض إلحادهم دون أن يشعروا.
يقولون: لا يوجد يوم حساب، ولا جزاء بعد الموت، لكنهم يغضبون بشدة إذا أفلت الظالم من العقوبة في الدنيا! فإن لم يكن هناك حساب بعد الموت، فلماذا الغضب؟ إن فطرتهم تصرخ بأن العدالة لا تكتمل إلا بيوم يقتص فيه من كل ظالم، إنه يوم الحساب.
والحاصل: أن من جعل العقل إلها، تهور حين ادعى أنه قادر على كل شيء، فسلمه الله إلى الحيرة والتناقض، وتركه يبحث في ظلامه عن قبس من نور لا يأتي.