أربع حلقات مهمة في الثقافة الإسلامية (1)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الأولى: العداوات الموجهة للإسلام وأمته
الحمد لله الذي وعد بنصر دينه وإظهار كلمته ولو كره الكافرون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) أخرجه مسلم.
إن المتأمل في مسيرة البشرية منذ فجر التاريخ يدرك أن العداوة للإسلام وأهله ليست وليدة عصر، ولا مرتبطة بمرحلة زمنية، بل هي سنة جارية منذ أن أهبط الله آدم إلى الأرض، فأعلن الشيطان عداوته له ولذريته، لتبدأ معركة الحق والباطل التي لم تخمد نارها إلى يومنا هذا.
وقد سجل القرآن الكريم وقائع هذه المعركة عبر العصور، وأبان كيف واجه الأنبياء والرسل وأتباعهم صور التكذيب والاستهزاء والحصار والحروب، حتى غدا تاريخ الرسالات سلسلة متواصلة من الصراع بين دعاة الهدى وأهل العداوة والضلال.
وإذا كان الله قد قص علينا أخبار الأولين، فلأن هذا الصراع يتكرر في كل زمان بأشكال وأساليب مختلفة، وهو ما نعيشه اليوم في عداوات شرسة تستهدف عقيدتنا، وهويتنا، وكرامتنا، وثرواتنا.
فما أحوج الأمة أن تعي حقيقة هذه السنة الربانية، لتثبت على دينها، وتتسلح بالوعي والبصيرة، وتستعد لمواجهة التحديات.
وهذا ما سأتناوله في هذه السلسلة المكونة من أربع حلقات لتثقيف الناس ثقافة شاملة بأوجز العبارات، مبتدأ بالحلقة الأولى: (العداوات الموجهة للإسلام وأمته)، فأقول وبالله التوفيق:
أولا: سنة العداوة بين الحق والباطل
منذ أن خلق الله الخلق، جعلت العداوة بين أهل الحق وأهل الباطل سنة ماضية لا تتبدل ولا تتغير. فالشيطان عادى آدم وذريته كما قال الله تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا).
ومن يومها، جرت سنة الله أن يبعث رسلا بالحق، فيواجههم أقوام بالباطل.
فنوح عليه السلام كذبه قومه وحورب، وإبراهيم ألقي في النار، وموسى اتهم بالسحر، وعيسى عليه السلام أريد قتله وصلبه.
حتى جاء خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، فقوبل بالدعاوى الباطلة، والتكذيب، والأذى، والحروب.
قال الله تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن).
ثانيا: العداوات القديمة المتجددة
الأولى عداوة المشركين:
قريش ما تركت وسيلة إلا سلكتها لصد الناس عن الإسلام، حتى قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: شاعر، كاهن، ساحر.
ولما فشلوا في الدعايات، لجؤوا إلى الحصار في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، حتى أكل الصحابة ورق الشجر.
الثانية عداوة اليهود:
اليهود في المدينة خانوا العهود مع النبي صلى الله عليه وسلم مرارا، وتحالفوا مع الأعداء في غزوة الأحزاب، وحرفوا الكلم عن مواضعه، ولا يزالون يسعون لإفساد العقائد ونشر الفتن، والحروب، وما غزة وما فيها من مجازر ووحشية وحصار منكم ببعيد. قال الله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
الثالثة عداوة النصارى:
قادوا الحملات الصليبية قرونا طويلة، واستباحوا بلاد المسلمين في الشام والأندلس.
واليوم يقودون الحملات الفكرية والتبشيرية، ويستخدمون الإعلام والمؤسسات لنشر الانحرافات.
الرابعة عداوة المنافقين:
المنافقون طعنة نجلاء في خاصرة الأمة، فهم يتظاهرون بالإسلام ويبطنون الكفر. قديما كانوا يخذلون المؤمنين في بدر وأحد والأحزاب، واليوم يخذلون الأمة عن التمسك بدينها، ويسخرون من شعائرها، ويزينون التنازل أمام الأعداء.
ثالثا: صور العداوات في عصرنا
اليوم تتجلى هذه العداوات في أشكال متعددة، أشهرها:
الأولى إعلامية: عبر تشويه صورة الإسلام، ونشر الشبهات حول القرآن والسنة، وترويج الإلحاد والتحلل الأخلاقي.
الثانية فكرية: عبر الغزو الفكري والثقافي، والدعوات إلى العلمانية والليبرالية والإباحية ونحوها.
الثالثة عسكرية: باحتلال أراض إسلامية، وتدمير بلدان، وتسليح أعداء الداخل، ومن هذه البلدان المحتلة فلسطين،
وكشمير (محتلة من الهند)، وتركستان الشرقية (شينجيانغ – محتلة من الصين)، ومورو في الفلبين (جنوبا)، وغيرها.
وقد أخبرنا الله عن هذا بقوله: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا).
الرابعة اقتصادية: بفرض أنظمة بنوك وشركات دولية ربوية جائرة في بلداننا الإسلامية، وحصار اقتصادي، ونهب ثروات الأمة بطرق ووسائل عديدة.
رابعا: دروس من التاريخ
في غزوة الأحزاب اجتمعت قريش وغطفان ويهود بني قريظة والمنافقون في الداخل لحصار المدينة.
لكن الله خذلهم وأرسل ريحا وجنودا لم تروها.
في الأندلس، اجتمع الحقد الصليبي مع خيانة بعض أمراء المسلمين حتى سقطت قرطبة وغرناطة، وضاعت حضارة الإسلام هناك.
وفي الحروب الصليبية، رغم الوحشية التي ارتكبها الصليبيون، إلا أن المسلمين حين عادوا إلى دينهم قاد صلاح الدين الأيوبي معركة حطين وحرر القدس، فالوحدة هي قوة المسلمين.
خامسا: دور المسلم اليوم
الأول الثبات على الدين: بالتمسك بالكتاب والسنة، وعدم الانخداع بالشبهات.
الثاني الوعي والبصيرة: بمعرفة مخططات الأعداء، وفهم طبيعة الصراع.
الثالث الوحدة على الحق: فالتفرق مدخل رئيس للأعداء. قال الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
الرابع الاستعداد: إعداد القوة بأنواعها المادية والمعنوية.
الخامس الدعوة والبلاغ: نشر الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، وتحصين الأمة ضد الغزو الفكري.
والحاصل: أن هذه العداوات ليست طارئة بل هي امتداد لسنة ماضية بين الحق والباطل، ولن تزول إلا حين يحق الله الحق بكلماته.
فعلينا أن نكون جنودا للحق، ثابتين على ديننا، عاملين لوحدة أمتنا، متيقظين لما يحاك ضدها.
قال تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).
للكلام بقية استأنفها في الحلقة القادمة إن شاء الله.