أربع حلقات مهمة في الثقافة الإسلامية (4) والأخيرة
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الرابعة: التصادم مع الكتاب والسنة في واقعنا المعاصر
لقد ابتلي المسلمون في هذا العصر بموجات من التيارات الفكرية والسلوكية التي تصادم أصول الكتاب والسنة، وتتعارض مع فطرة الإنسان السليمة، حتى صار الحق غريبا، وصار الباطل يرفع راياته تحت عناوين براقة وشعارات مخادعة.
وسنبين ذلك من خلال المحاور الخمسة التالية:
أولا: صور من مظاهر التصادم
الصورة الأولى: الدعوة إلى الإلحاد
من أخطر ما يواجه الأمة اليوم هو نشر الإلحاد باسم الحرية الفكرية، وتشكيك الشباب في وجود الله أو في صدق الوحي، قال تعالى: (أفي الله شك فاطر السماوات والأرض).
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن التي يلتبس فيها الحق بالباطل فقال كما في صحيح مسلم: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل).
الثانية: الدعوة إلى المثلية والشذوذ وتزويج الذكر بذكر مثله، والأنثى بمثلها
صار الشذوذ الجنسي يقدم للعالم اليوم على أنه حرية شخصية، وحق إنساني، وللذكر أن يتزوج ذكرا مثله، وللأنثى أن تتزوج أنثى مثلها.
بينما هو في الكتاب والسنة، وفي كل الأديان السابقة من أقبح الفواحش.
قال الله تعالى عن قوم لوط: (أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين).
فكيف يراد اليوم أن يفرض على المسلمين تقبل هذا البلاء الذي أهلك الله به أمة كاملة؟
الثالثة: تحرير المرأة على الطريقة الغربية
لقد كرم الإسلام المرأة وأعطاها حقوقها كاملة، قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة).
لكن الغرب جعل تحرير المرأة شعارا لنزع حيائها، وفكها من عفتها، وأدخلها في سوق الاستهلاك والإغراء.
التحرير الحقيقي للمرأة هو في صيانتها ورفع شأنها، لا في تسليعها وتضييعها.
الرابعة: الحرب على العلماء والمدارس الدينية
من صور التصادم أيضا استهداف العلماء والدعاة الربانيين، والتشكيك في المدارس الشرعية، بل والسخرية من أهل العلم، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما ثبت عند أبي داود وغيره: (العلماء ورثة الأنبياء).
قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه).
فالعلماء هم الأمناء على الدين، فإذا ضربوا وشوهت صورتهم انفتح الباب أمام الجهل والشبهات.
ثانيا: دور الإعلام الجديد في نشر الشبهات وزعزعة الثوابت
لقد أصبح الإعلام اليوم أخطر من السيف، لأنه يغزو العقول والقلوب، ومع ظهور الإعلام الجديد (السوشيال ميديا) صار الشباب يتعرضون لتيارات هائلة من المعلومات والشبهات، بلا رقيب ولا حسيب.
قال تعالى: (وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون).
الإعلام اليوم كثيرا ما يزين الشهوات، ويعرض الشبهات في قوالب جذابة، ليزعزع الثوابت ويهدم اليقين.
ثالثا: خطورة الانبهار بالغرب وتقديس النموذج الغربي
من أخطر أمراض الأمة أن تصاب بانبهار أعمى بالحضارة الغربية، فترى أن النجاة في تقليد الغرب بكل ما فيه، ولو كان مخالفا لدينها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه).
وقد تحقق هذا الحديث اليوم في مظاهر تقليد الغرب في العادات والأزياء والأفكار، حتى في أبشع ما عندهم من انحلال وانحراف.
مع أن الله تعالى يقول: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
فمن ظن أن العزة في تقليدهم فقد فتن وسقط في شباكهم، وصار أداة بأيديهم وبوقا من أبواقهم سواء شعر بذلك أم لم يشعر.
رابعا: واجب المسلم في تثبيت نفسه وأهله على الحق
أمام هذا السيل الجارف من الشبهات والشهوات، لا نجاة للمسلم إلا بالثبات على دينه، وبناء حصانة إيمانية وعلمية لنفسه وأهله بعدة أمور:
أولها: بالعلم الشرعي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين).
ثانيها: بالعبادة والذكر
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين).
ثالثها: بالصحبة الصالحة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عند أبي داود وغيره: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).
فلا بد من تحصين البيوت بالعلم والإيمان، وربط القلوب بالقرآن والسنة، وتعليم الأبناء منذ الصغر العقيدة الصحيحة.
خامسا: النجاة في الاعتصام بالكتاب والسنة
إن طريق النجاة واضح لا لبس فيه: وذلك بالتمسك بالوحيين. قال الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
فما من فتنة تعصف بالقلوب، ولا شبهة تزلزل العقول، ولا شهوة تفتن النفوس، إلا والنجاة منها في الاعتصام بالكتاب والسنة، وفهمهما بفهم سلف الأمة.
والحاصل: أن التصادم مع الكتاب والسنة في واقعنا المعاصر صار ظاهرة خطيرة، تهدد ثوابت الأمة وتستهدف شبابها، والواجب على كل مسلم أن يكون حارسا لدينه، واعيا لواقعه، رابطا قلبه بالوحي، معتزا بإسلامه، غير منبهر بزخارف الباطل.
قال تعالى: (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم).
فالاعتصام بالكتاب والسنة هو الصراط المستقيم، وهو الحصن الحصين، وهو النجاة في الدنيا والآخرة.