أربع حلقات مهمة في الثقافة الإسلامية (2)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الثانية: الفرق الضالة والانحرافات الفكرية
الافتراق سنة كونية، لكنه ليس قدرا لا يدفع منه أو يخفف، وهو نتيجة للهوى، والإعراض عن الدليل، واتباع الشبهات.
قال الله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة).
فمن أعرض عن النصوص المحكمة، وانساق خلف عقله وهوى نفسه، ضل وانحرف.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كما افترقت الأمم قبلها، لكنه بين أن الناجية هي من تمسكت بالوحيين، فقال كما ثبت عنه عند أبي داود وغيره: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي).
وأشهر هذه الفرق القديمة وأثرها ما يأتي:
الأولى: الخوارج، خرجوا على علي رضي الله عنه وكفروا المسلمين بالذنوب، وقالوا: (لا حكم إلا لله)، شعار حق أرادوا به باطلا.
فقاتلهم علي، وقال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).
واليوم، عادت أفكارهم في جماعات التكفير والتفجير، التي شوهت صورة الإسلام.
الثانية: الرافضة، غلوا في آل البيت، وسبوا الصحابة، وبنوا عقيدتهم على الكذب والباطل.
تاريخهم مليء بالطعن في القرآن والسنة، وبالتحالف مع أعداء الأمة.
واليوم نجدهم رأس الحربة في تمزيق المسلمين في العراق، واليمن، ولبنان وغيرها.
الثالثة: المعتزلة، قدموا العقل على النقل، وزعموا أن القرآن مخلوق، ونفوا صفات الله.
وقد تبنت بعض المدارس الفكرية الحديثة بقايا منهجهم في ترويج العقلانية، التي تهدم النصوص وتفتح باب الإلحاد.
الرابعة: الصوفية الغالية، انحرفوا بالزهد المشروع إلى بدع وشركيات، كالطواف بالقبور، والاستغاثة بالأولياء، والدعاء لغير الله.
وهذه الممارسات ما زالت سببا في إبعاد كثير من المسلمين عن التوحيد الخالص.
وهناك طوائف الانحراف الفكري المعاصر، وفيما يأتي أشهرها:
الأولى: العلمانية: وهي فصل الدين عن الحياة، والدعوة إلى أن يكون الدين مجرد شعائر روحية في المسجد، دون أن يتدخل في الاقتصاد، والسياسة، والتربية.
الثانية: الليبرالية، جعل الحرية مطلقة، حتى ولو خالفت الشرع، والترويج للمثلية، والإباحية تحت شعار حقوق الإنسان.
الثالثة: الإلحاد، إنكار وجود الله، والتشكيك في النبوة والآخرة، ويروج له اليوم عبر مواقع التواصل والقنوات الموجهة.
الرابعة: القرآنيون، الذين ينكرون السنة، ويزعمون الاكتفاء بالقرآن، مع أن القرآن نفسه يأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأول ما بدأ الإنكار للسنة على يد الخوارج قديما كما بينا ذلك في سلسلة حلقات (كيف تحاور من ينكر السنة).
الخامسة: الوطنية والقومية المبالغ فيها، حتى صارت عند بعضهم بديلا عن الدين، مع أن الانتماء الأول للمسلم هو لدينه، لا لأرضه ولا لجنسه.
ولا شك أن لهذه الفرق والانحرافات آثارا سلبية على المسلمين، فقد مزقت الأمة، وجعلت بأسها بينها، وأضعفت هيبتها أمام عدوها.
فما أن تسلط العدو الخارجي، حتى وجد بيئة ممزقة بالفرقة والاختلاف.
والمخرج والسبيل من هذه الانحرافات والطوائف والفرق الضالة يتلخص فيما يأتي:
أولا: لزوم الكتاب والسنة بفهم السلف، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: (اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، وكل بدعة ضلالة) أخرجه أبو خيثمة في كتاب العلم بإسناد صحيح.
ثانيا: التسلح بالعلم الشرعي، الذي يحصن المسلم من الشبهات.
ثالثا: الرجوع إلى العلماء الربانيين، الذين عرفوا بالورع والصدق في الدين.
رابعا: التحذير من أهل الأهواء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم).
خامسا: الوحدة على العقيدة الصحيحة، فهي الحصن الحصين من الفتن، وبه تنجلي الفوارق وتزال الفتن، ويستقيم أمر الأمة، ويثبت المؤمنون على الحق، كما قال الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
والحاصل: لقد جُعلت هذه الأمة شاهدة على الناس، بشرط أن تستمسك بدينها.
فإذا تركت الحق، وفرطت في الوحي، صارت كالأمم السابقة التي مزقتها الأهواء.
فلنحذر أن نكون من أهل الفرقة، ولنحرص أن نكون من الفرقة الناجية، المتمسكة بالكتاب والسنة.
قال الله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا).