السبت 18 ربيع الآخر 1447 هـ || الموافق 11 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    أربع حلقات مهمة في الثقافة الإسلامية    ||    عدد المشاهدات: 112

أربع حلقات مهمة في الثقافة الإسلامية (3)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

الحلقة الثالثة: السياسات غير المنضبطة بالشرع


سأتناول في هذا المقال أربع مسائل مهمة:

الأولى: خطورة الحكم بغير ما أنزل الله وأثره على الأمة

لقد جعل الله عز وجل الحكم بما أنزل من أعظم أصول الدين، فقال سبحانه: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).

فجمع الله على من أعرض عن شريعته أو بدلها أو قدم القوانين الوضعية عليها هذه الأوصاف الثلاثة: الكفر والظلم والفسق، وليس المقصود مجرد التقنين أو التشريع البشري، بل هو العدول المتعمد عن شرع الله إلى ما سواه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عند بعض أهل السنن وغيرهم: (القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة: فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار).

فبين أن من حكم بغير الحق وهو يعلم فهو في النار، فكيف بمن جعل التشريع البشري حاكما على الوحي الإلهي؟

إن من أعظم أسباب ذل الأمة اليوم وبعدها عن عزتها هو تعطيل شرع الله واستبدال أحكام البشر به، فهزمت الأمة من داخلها قبل أن تهزم من عدوها.

الثانية: حكم من حكم بغير ما أنزل

منذ سنوات ذكرت هذه المسألة الشائكة في مقالاتي وبعض كتبي، وبينتها وفق المفاهيم الشرعية الصحيحة، فإليكم التفصيل الموجز:

الأول: أن من حكم بنظام يتصادم مع حكم الله أو حكم ببعضه خوفا من بطش الأعداء وضغوطهم وتساهل في ذلك، ولم يستخف بحكم الله، ولم يحتقره، ولم يعتقد أن غيره أصلح منه، وهو يقيم الصلاة، فهذا مسلم فاسق ظالم لنفسه وليس بكافر، ويتنزل على مثله قول الله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون).

وقوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).

وقد جمعت في الحكم بين الفسق والظلم لأنه أولى من القول بالتفريق، إذ دخول الفسق في الظلم صحيح، والعكس مثله، والاختلاف في النص لفظي واصطلاحي ليس غير.

الثاني: إذا حكم به أو ببعضه اتباعا للهوى أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه أو لأسباب أخرى وهو يعلم أنه عاص، ويرى أن الإسلام هو الحق في جميع أحكامه وهو يقيم الصلاة، فحكمه حكم السابق ولا يكفر أيضا.

الثالث: إذا حكم بغير ما أنزل معتقدا أن النظام الوضعي أفضل من الإسلام أو مساو لحكم الإسلام أو أنه يجوز تبديل حكم الإسلام بغيره، استخفافا بالحكم بما أنزل الله أو غير مستخف، أو احتقارا له، أو أنه مخير إن شاء حكم بما أنزل الله وإن شاء حكم بغير ما أنزل الله، فهذا كافر، ومثله أيضا يكفر كفرا مخرجا من الملة من يعتقد أن حكم الله لا يصلح لهذا الزمان.

ويتنزل في هذا القسم قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).

وكل ما تقدم مشروط بالعلم أما من جهل حكم الله وحكم بغيره فلا نكفره، فإن مشايخ القبائل يحكمون بأعراف وأحكام تتصادم مع الدين على جهل، فلا نحكم بكفرهم حتى نعلم أنهم قد علموا حكم الله بوضوح وفهموه.

ولا يشترط الاستحلال في هذا الباب وإن كان شيخنا الألباني قد اشترطه، وبعض كلام ابن باز يوحي بذلك على قول من أقواله، إلا أن المشهور عن أهل العلم عدم اشتراط الاستحلال في الحكم المبدل، ما دام استبدله بأي وجه من وجوه القسم الثالث.

ثم قضية اشتراط الاستحلال من عدمه ستكون نتيجته واحدة عند التطبيق، وسيظهر الخلاف مجرد لفظي ليس غير.

الثالثة: أثر الإعلام الموجه في تضليل الشعوب وتزيين الباطل

إن الإعلام اليوم أصبح سلاحا فتاكا، يستخدم لتزييف الوعي وتلميع الباطل وتشويه الحق، حتى صار كثير من الناس يتبنى ما يعرض عليه من دون تفكر.

وقد وصف الله تزيين الباطل بأنه من فعل الشيطان فقال: (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين).

وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت).

والإعلام اليوم كثيرا ما يسقط الحياء من النفوس ويجرئ الناس على المنكرات.

فلا غرابة أن تجد إعلاما يهاجم العلماء والدعاة الربانيين ويبرر سياسات الانحراف ويضلل الشعوب باسم الحرية والانفتاح.

الرابعة: السياسة في الإسلام منضبطة بالكتاب والسنة لا بالأهواء والمصالح الضيقة

السياسة في الإسلام ليست فن الخداع أو الكذب أو التلون، بل هي رعاية شؤون الأمة بما يوافق الشرع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب السياسة الشرعية (ص 14): (السياسة نوعان: سياسة عادلة فهي جزء من الشريعة وقسم من أقسامها لا قسيمتها، وسياسة باطلة فهي مضادة للشريعة مضادة الظلم للعدل).

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته).

فالحاكم راع ومسؤول أمام الله عن إقامة العدل بين رعيته وتحكيم شريعة رب العالمين.

أما السياسات القائمة على المصالح الضيقة فهي سياسات مرفوضة شرعا، لأنها لا تنطلق من هدي الكتاب والسنة بل من الأهواء والضغوط والمصالح الدنيوية.

إن أعظم ما تحتاجه الأمة اليوم أن تعيد بناء سياساتها على أساس شرع الله، لا على أساس القوانين المستوردة أو التحالفات المشبوهة أو الإعلام المضلل.

فالسياسة الشرعية الحقة هي التي ترعى مصالح العباد والبلاد وفق مراد الله ورسوله، وتحفظ الدين، وتصون الدماء، وتقيم العدل، وتمنع الظلم.

قال الله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور).

فالتمكين الحقيقي لا يكون إلا بتحكيم شرع الله والعدل بين الناس ونصرة المظلومين، لا بالركون إلى الكفار، ولا بتزييف الوعي، ولا بسياسات لا تعرف إلا الهوى والمصلحة العاجلة.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام