أربع حلقات مهمة في بناء الأسرة السعيدة (1)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الأولى: حسن الاختيار أساس السعادة
الحمد لله الذي جعل الزواج آية من آياته، وسكنا ورحمة لعباده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد:
فإن الحديث عن بناء الأسرة السعيدة يبدأ من اللحظة الأولى، قبل أن يتم عقد الميثاق الغليظ، وقبل أن تزف الزوجة إلى زوجها، فالبداية الصحيحة أساس الاستمرار المبارك.
وقد دلنا نبينا صلى الله عليه وسلم على الأساس المتين لاختيار الزوجة والزوج، فقال كما في الحديث المتفق عليه:
(تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك).
وقال صلى الله عليه وسلم كما ثبت عند الترمذي وغيره: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
ولإيضاح محاور هذه الحلقة، ألخصها في التالي:
أولا: الدين أساس الاختيار.
إن الذي يظفر بصاحبة الدين أو بصاحب الدين قد حاز الخير كله؛ لأنها إن أحبته أكرمته، وإن أبغضته لم تظلمه، وهو إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يهضم حقها.
أخرج ابن أبي الدنيا في النفقة على العيال عن سلمة بن سعيد، قال: قال رجل للحسن: إن عندي ابنة لي، وقد خطبت إلي، فمن أزوجها؟ قال: (زوجها من يخاف الله فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها).
فالدين يزرع الخوف من الله في القلب، فيصبح الزوج والزوجة يتعاملان وفق الشرع المطهر: (إني أخاف الله رب العالمين).
ثانيا: الخلق والسمعة الطيبة.
الزواج ليس يوما واحدا ولا أسبوعا، بل هو رحلة عمر، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالنظر إلى الخلق، كما قال في صحيح مسلم: (الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة).
والأخلاق تحفظ المودة وتصلح عند الخلاف، ومن أُعطي حسن الخلق فقد أُعطي خيرا كثيرا.
ثالثا: خطأ من جعل المال والجمال أساسا.
كم من بيوت بنيت على المال والجمال فقط، ثم سرعان ما انهارت أمام أول عاصفة!
قال الله تعالى: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا).
فلا المال ينفع مع فساد الدين، ولا الجمال يدوم مع سوء الخلق، أما الدين فهو الحارس الأمين للبيت وتربية الأبناء.
رابعا: مشورة الأهل وأهل الخبرة.
كان السلف يحرصون على المشورة في اختيار الأزواج والزوجات، لأن الزواج ليس نزوة عابرة، بل عهد ومسؤولية.
فلا تعجل ايه الشاب باختيار الزوجة حتى تسأل عن البنت وأخلاقها وطبائعها وسالف أهلها، ولتكن الاستشارة والاستخارة سابقتين على الخطبة، فما خاب من استشار.
خامسا: الاستخارة قبل الإقدام.
من هدي الإسلام أن العبد إذا هم بأمر عظيم كالنكاح، صلى صلاة الاستخارة ودعا بدعائها عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري:
(اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به).
فالاستخارة حصن من الندم، واستعانة بالله العليم الحكيم.
نماذج من حياة السلف:
اخرج ابو نعيم في الحلية [بتصرف] ان: (الإمام سعيد بن المسيب زوج ابنته لأحد طلابه الفقراء بدرهمبن لِما رأى فيه من الدين والعلم، فكانت ابنته أسعد النساء مع زوجها).
وأخرج سعيد بن منصور في سننه، قال ابن مسعود: (لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها يوما، ولي فيهن طول النكاح، لتزوجت مخافة الفتنة).
والحاصل: أن الأسرة السعيدة لا تبنى على الأحلام، ولا على المظاهر، وإنما على أساس قوي من الدين والخلق.
فإذا أردنا أن نقيم بيوتا يرضاها الله، ويخرج منها جيل نافع صالح، فعلينا أن نبدأ بحسن الاختيار.
قال الله تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات، أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم).
فالبيت السعيد يبدأ من اختيار طيب لطيب، فتجتمع القلوب على طاعة الله، ويثمر ذلك ذرية صالحة تدعو للوالدين بعد رحيلهما.