السبت 18 ربيع الآخر 1447 هـ || الموافق 11 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    أربع حلقات مهمة في بناء الأسرة السعيدة    ||    عدد المشاهدات: 29

أربع حلقات مهمة في بناء الأسرة السعيدة(4) والأخيرة
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني 

الحلقة الرابعة: الصبر والتغافل وحل المشكلات


الأسرة السعيدة ليست أسرة بلا خلافات ولا منغصات، بل هي تلك الأسرة التي تعرف كيف تدير خلافاتها، وتحول مشكلاتها إلى جسور تقوي المودة والرحمة. 

لذلك فالبيوت تبنى على الصبر والتغافل، وحل المشكلات بالحكمة.
قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف).
وقال سبحانه: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون).

ولإيضاح هذه الحلقة، إليكم أبرز محاورها: 

أولا: الحاجة إلى الصبر.

الحياة الزوجية رحلة طويلة، مليئة بالاختبارات، ولا يمكن أن تستقيم إلا بالصبر، من عدة جهات:

الأولى: صبر الزوج على بعض تقصير زوجته.

الثانية؛ صبر الزوجة على ضيق حال زوجها أو شدته.

الثالثة: صبر الوالدين على تربية الأبناء.

تربية الأبناء أمانة عظيمة تحتاج إلى صبر واحتساب.

وقد أوصى لقمان ابنه بالصلاة والدعوة والصبر: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه: ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).

ثانيا: التغافل مفتاح السعادة.

قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر).

أي لا يبغضها بسبب صفة واحدة لا تعجبه، بل يتغاضى عن بعض العيوب ويرى الجوانب الحسنة.
 والزوجان أحوج ما يكونان إلى هذا الخلق.

فالبيت الذي يفتش فيه الزوج عن كل خطأ، أو الزوجة عن كل هفوة، يتحول إلى جحيم لا يطاق.

ثالثا: أساليب حل المشكلات الأسرية.

من أبرز الأساليب التربوية لحل المشكلات الأسرية ما يلي:

الأول الحوار الهادئ:

الحوار الهادئ عند حدوث الاختلاف لا يكون إلا بالكلمة الطيبة والحديث الهادئ، بعيدا عن الصراخ والاتهامات.
قال الله تعالى: (وقولوا للناس حسنا).
وقد ثبت عند الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).

الثاني التدرج في الإصلاح:

قال الله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن).
فبدأ بالموعظة، ثم الهجر، ثم آخر الدرجات: التأديب، إشارة إلى أن الأصل هو الإصلاح بالحسنى.
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: (فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله).
وقد ثبت عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واضربوهن ضربا غير مبرح).
وفسر العلماء : (الضرب غير المبرح) بأنه بالسواك أو نحوه مما لا يترك أثرا ولا يحدث ألما شديدا).

الثالث الاستعانة بأهل الحكمة:

 قال الله تعالى: (فابعثوا حكما من اهله وحكما من اهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما).

الرابع التنازل المتبادل:

قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الحسن لغيره عند النسائي في الكبرى: (ونساؤكم من اهل الجنة الودود الولود العؤود على زوجها التي اذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول لا اذوق غمضا حتى ترضى).

وهناك نماذج من صبر السلف، على صبر الزوج على زوجته والعكس، ففي صحيح مسلم نجد: صبر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها على زوجها الزبير بن العوام، وكانت تخدمه خدمة شديدة حتى بارك الله في حياتهما.

وقد كان أحد الصالحين صبورا على شدة زوجته، ويقول: إنما هي بضعة مني، أحتملها وتصبرني، فدامت العشرة بالرحمة والصبر.

خامسا: متى يكون الفراق حلا؟

الإسلام لم يرد للزواج أن يكون سجنا مؤلما، بل جعل الطلاق حلا عند استحالة العشرة.
فالطلاق مباح عند الضرورة، لكن الأصل هو الصبر والإصلاح والتغافل.

سادسا: ثمار الصبر والتغافل.

يمكن ذكر ابرزها في التالي: 

الأولى: دوام المودة والرحمة.

الثانية: بيئة مستقرة ينشأ فيها الأبناء بلا عقد ولا اضطرابات.

الثالثة: نيل الأجر العظيم عند الله، قال الله تعالى: (انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب).

والحاصل: البيت المسلم يحتاج إلى صبر يواجه به العواصف، وتغافل يعبر به عن الذكاء، وحل مشكلاته بالحكمة والرحمة.
فليكن شعارنا في بيوتنا قول النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).

وبهذا تبنى الأسرة السعيدة: بالاختيار الصحيح، والمودة والرحمة، والتربية الصالحة، وبالصبر والتغافل.
فالسعادة لا تعني غياب المشاكل، بل تعني وجود قلوب كبيرة تصبر وتتغافل، وتحسن حل الخلافات برفق وحكمة.

وفق الله الجميع لطاعته، وألهمهم رشدهم.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام