السبت 18 ربيع الآخر 1447 هـ || الموافق 11 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    أربع حلقات مهمة في بناء الأسرة السعيدة    ||    عدد المشاهدات: 49

أربع حلقات مهمة في بناء الأسرة السعيدة (2)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني 

الحلقة الثانية: المودة والرحمة بين الزوجين


إذا كان حسن الاختيار هو الأساس الأول لبناء الأسرة السعيدة، فإن المودة والرحمة هما الروح التي تحيي ذلك البناء، وهما السراج الذي يضيء البيت، والنسيم الذي يهب في أرجائه.

قال الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة).

هذه الآية العظيمة اختصرت سر السعادة الزوجية بكلمتين: المودة والرحمة.

وإليكم أبرز المحاور في هذا الموضوع:

أولا: معنى المودة والرحمة.

المودة: المحبة الصادقة التي تترجم أقوالا وأفعالا محمودة، فيبتسم الزوج في وجه زوجته، وتلاطف الزوجة زوجها، ويحسن كل منهما الكلام والفعل للآخر.

الرحمة: الشفقة واللين عند الخطأ والضعف، والصبر على تقصير الآخر، والتجاوز عن الزلات.
فالزوجان ليسا ملائكة لا يخطئون، بل هما بشر، فكانت الرحمة علاجا عند الزلل، والمودة دفئا عند الحاجة.

ثانيا: القدوة النبوية في المودة والرحمة.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم خير قدوة في معاملة أهله، فقد كان في خدمة أهله، تقول عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري: (كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة).

وكان صلى الله عليه وسلم يقبل نساءه وهو صائم، ويقول كما في صحيح مسلم: (إنما هي رحمة).

وكان يلاطفهن بالكلام والابتسامة، حتى قال كما ثبت عنه عند الترمذي وغيره: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).

فهكذا يكون الزوج الصالح: رحمة، لطف، مودة، لا غلظة ولا قسوة.

ثالثا: المودة في المعاملة اليومية.

المودة لا تعني الكلمات المعسولة فقط، بل تظهر في امور اخرى: كابتسامة الزوج لزوجته، ومساعدة الرجل لأهله في أعمال البيت، وتزين الزوجة لزوجها كما تحب أن يتزين لها، والتهادي ولو بأبسط الأشياء، فقد قال صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في الأدب المفرد للبخاري: (تهادوا تحابوا).

قال بعض العلماء: (التودد إلى الزوجة من تمام المروءة).

رابعا: الرحمة عند الخلاف والضعف.

لا يخلو بيت من خلاف، لكن المؤمن يتعامل بالرحمة. 
قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر).

أي لا يبغضها بسبب صفة واحدة لا تعجبه، بل يتغاضى عن بعض العيوب ويرى الجوانب الحسنة.

قال جعفر بن محمد الصادق كما في البصائر والذخائر لأبي حيان(7/241).: (عظموا اقداركم بالتغافل).
 والزوجان أحوج ما يكونان إلى هذا الخلق.

خامسا: ثمار المودة والرحمة.

تظهر أبرز هذه الثمار فيما يأتي:

الأولى: بيت يسوده الاستقرار والهدوء.

الثانية: أبناء ينشأون في جو من الحنان والدفء.

الثالثة: تراحم يعين على طاعة الله ورسوله، والقيام بواجبات الدين.

الرابعة: محبة متجددة، تغذيها الكلمة الطيبة واللمسة الحانية.
قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف)، فالمعروف كلمة جامعة تشمل المودة والرحمة والعدل.

سادسا: صور عملية للمودة والرحمة.

وتتلخص أبرز هذه الصور في التالي:

الأولى: أن ينادي الزوج زوجته بأحب الأسماء إليها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينادي عائشة: (يا عائش).

اليوم بعضهم إذا غضب من زوجته، ناداها بألقاب حيوانية مثل: يا حمارة أو يا بقرة، ونحوها، وهي تناديه: يا حيوان، أو يا ثور، ونحوها، والله المستعان.

الثانية: أن يتحمل الزوج مرض زوجته أو ضعفها، وأن تتحمل الزوجة ضيق حال زوجها.

الثالثة: أن يتنازل كل منهما للآخر عند النزاع.

الرابعة: أن يكون شعارهم مثلا: رحمك الله وغفر لك، بدلا من: لن أسامحك أبداً.

والحاصل:  أن البيوت لا تبنى بالحجارة فقط، بل تبنى بالمشاعر الصادقة. 
ولا تشيد بالأموال وحدها، بل تشيّد بالمودة والرحمة.

فإذا أردنا أسرة سعيدة، فلنقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته لأهله، ولنجعل المودة والرحمة دستور حياتنا.

قال الله تعالى: (فامساك بمعروف أو تسريح بإحسان).

فالبيت السعيد هو البيت الذي يسوده الإحسان، حتى عند الفراق، فلا سعادة بلا مودة ورحمة، فهما الماء والهواء للبيت المسلم، وهما زينة الحياة الزوجية، وهما الطريق لسكينة القلوب.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام