أربع حلقات مهمة عن كرتون الأطفال وألعاب الجوال والألعاب الإلكترونية (3)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الثالثة: الألعاب الإلكترونية وسرقة طفولة الجيل
كثير من الألعاب الإلكترونية اليوم لم تعد العاب تسلية ومرح وفائدة، بل تحولت إلى عالم آخر يسكن فيه الطفل بعقله ووجدانه، حيث صارت بعض هذه الألعاب تربيه أكثر مما تربيه أسرته.
يدخل الطفل إلى شاشة الهاتف أو الأيباد ونحوها من الأجهزة ليقضي دقائق، فإذا به يغرق ساعات، يلهث وراء إنجازات وهمية، وينفصل عن واقعه شيئا فشيئا.
لقد أصبح الهاتف في يد الطفل أشبه بعالم مواز، لا يعرف فيه معنى الرقابة، ولا يدرك خطورة ما يشاهده أو يشارك فيه.
كثير من هذه الألعاب والتطبيقات لا تقتصر على التسلية، بل تتضمن أفكارا تصادم الدين والعقل والفطرة، وتغرس مفاهيم خطيرة تحت ستار المرح والحرية.
ففي بعض الألعاب مشاهد لطقوس شركية، أو رموز لعبادة الشيطان، أو دعوات لسب الدين والسخرية من القيم، تقدم في إطار التحدي والمغامرة.
يتعلم الطفل أن يقتل، وأن يخدع، وأن ينتصر بالمكر، وأن العنف هو الطريق الوحيد لتحقيق النجاح.
ومع مرور الوقت، يفقد الحس الأخلاقي الذي كان ينبغي أن ينمو معه، ويصبح أكثر جفاء وعصبية، وأقل رحمة وشعورا بالذنب.
ولا تتوقف الخطورة عند المحتوى الظاهر، بل تمتد إلى ما وراء الشاشات.
فبعض هذه التطبيقات تجمع بيانات الأطفال وتستغلها في الإعلانات أو الأفكار، وبعضها يفتح نوافذ لمحادثات مجهولة تعرضهم للتحرش أو الابتزاز، دون أن يدرك الآباء ما يحدث في الخفاء.
كما أن الإدمان الإلكتروني يسلب من الطفل طاقته وقدرته على التركيز، ويضعف تواصله الاجتماعي، حتى يصاب بما يشبه العزلة الاختيارية.
يجلس في ركنه صامتا، لكن في داخله ضجيج من الصور والموسيقى والدماء، تقتل فيه البراءة على مهل.
إن حماية الأطفال من هذا الخطر لا تكون بالمنع الكامل، بل بالوعي والإشراف والتوجيه.
فالأب الذي يمنح ابنه الهاتف دون رقابة كمن يعطيه سلاحا دون تدريب.
والأم التي تترك طفلها يغوص في الألعاب الإلكترونية دون متابعة، كمن تتركه يسير في طريق مظلم بلا مصباح.
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا).
هذه الوقاية لا تكون إلا بحماية الفكر قبل الجسد، والعقيدة قبل المتعة.
إن على الأسرة أن تقدم البدائل النقية: ألعابا تعليمية هادفة، وبرامج تربوية تنمي الذكاء والإيمان معا، وأن تشرك أبناءها في أنشطة واقعية تعيدهم إلى الحياة الطبيعية، إلى الطبيعة والقراءة والعبادة والعمل.
جيل اليوم بين أصابعنا، فإن تركناه للشاشات علمته القسوة، وإن وجهناه بالرحمة رزقنا به ذرية صالحة.
فالحذر من أن تسرق طفولتهم أمام أعيننا، ونحن نظن أننا نسليهم، بينما نحن في الحقيقة نسلمهم إلى عالم يصنعهم على غير ما أراد الله لهم.