السبت 18 ربيع الآخر 1447 هـ || الموافق 11 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن    ||    عدد المشاهدات: 219

لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن (6)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

الحلقة السادسة: الحوثي والتربية (حين يربى الجيل على الكراهية والطاعة العمياء)


كانت الأسرة اليمنية، على مرّ العصور، رغم بساطتها وفقرها، مدرسة تربي على الرجولة والكرم والحياء وحب الدين والوطن، وكانت البيوت رغم غياب الدولة، تغرس في الأطفال معاني الحياء، والإيمان، والنخوة. لكن حين دخل الحوثي إلى بنية المجتمع، دخل بأسوأ مشروع تخريبي للقيم، وأشنع غزو للأخلاق، لا ليربي جيلا حرا، بل ليشكّل جيشا مطيعا، يعبد السيد، ويموت لأجله.

لم يكن الحوثي مهتما بتقويم الأسرة، بل بتفكيكها. ولم يدخل البيت ليهذب الأخلاق، بل ليربي على الطاعة العمياء والكراهية العميقة.

لقد ربى الجيل على ثلاثية خطيرة:

الولاء للسيد، والعداء للمخالف، والقتل باسم الدين.

وسأوجز ذلك في المحاور التالية:

أولا: اختراق الأسرة من الداخل.

بدأ الحوثيون مشروعهم التربوي من داخل البيوت، عبر حلقات الدروس، وخطب حسين الحوثي، والزينبيات، والتجنيد الثقافي للأمهات والآباء.

وقد شجعوا النساء على إقامة جلسات تربوية دورية، يلقن فيها فكر الجماعة، وتغرس فيها كراهية الدولة، وتعزز فيها فكرة أن الولي الفقيه أحق بالطاعة من الزوج أو الأب أو حتى العالم.

الأم المتأثرة بفكرهم لم تعد تربي أبناءها على القرآن، بل على الصرخة.

والأب المتأثر بهم لم يعد يوجه أولاده للعلم والعمل، بل للجبهة والنقطة الأمنية.

لقد غرست في عقول الأطفال أن حب الوطن بدعة، وأن الشهادة في سبيل سيد الكهف هي أعلى المراتب!

ثانيا: استبدال القدوات.

حين يختفي ذكر الصحابة، والعلماء، وأبطال التاريخ، وتوضع بدلا عنهم صور الشهيد القائد، وأخيه، والسيد الزعيم، فاعلم أن الجيل يعد ليكون أداة لا إنسانا.

لقد استبدل الحوثيون الشخصيات الصالحة والقدوات، فجعلوا من القتلة والمتمردين أبطالا، ومن أصحاب الفكر المعتدل والمربين الصادقين منافقين ودواعش.

حتى في الأناشيد والقصص المدرسية، لم يعد يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا مرفقا بمديح الولي أو سيد الكهف، ولا تذكر الفتوحات إلا إذا كان فيها نسب لآل البيت، ولا تروى البطولة إلا إذا كان فيها: صرخة.

ثالثا: غرس الكراهية الطائفية.

لم يرب الحوثي أبناءنا على التسامح، ولا على التعايش، بل على البغض والكراهية للمخالفين.

لقد حارب مخالفيه - وهم أكثر الشعب - سواء كانوا مستقلين عن الانتماءات أو غير مستقلين، وشوه العلماء والدعاة إلى الله، وقدس الولي، وغرس في الصغار عقيدة التمايز السلالي.

صار الطفل يتربى على أن هناك سادة وعبيدا، مؤمنين ومنافقين، وأن من لا يقول بولاية علي فهو عدو لله، حتى لو صام وصلى.

وهكذا تحولت التربية من تربية على الدين، إلى تربية على الطائفة.

رابعا: تدمير مفاهيم الرجولة والأمومة.

الرجولة عند الحوثي، ليست بالصدق والنخوة، بل بحمل السلاح، وترديد الصرخة، والولاء للحوثي.

أما الأم، فلم تعد الحضن الآمن، بل أصبحت أداة تعبئة، تفتخر بأنها دفعت بابنها إلى الجبهة، وتنتظر الآخر.

كم من أم زج بها في مجالس الزينبيات حتى تغيّر فكرها، فصارت تقسم النساء إلى مؤمنات ومنافقات حسب الولاء للجماعة، لا للدين!

خامسا: قتل الطفولة المبكر.

أخطر ما فعله الحوثي بالتربية هو قتل الطفولة.

في مناطقه، لم يعد للطفل الحق في اللعب، ولا في البراءة، ولا حتى في السؤال.

الطفل يلقن من الصغر أن عدوه هو أمريكا وإسرائيل، وأن مخالفيه يمثلون أمريكا وإسرائيل، وأنهم منافقون يجب قتلهم، رغم أنه طفل لا يعرف كيف يكتب جملة عربية صحيحة!

يحمل البندقية بدل القلم، ويتلقى الثقافة القرآنية المزيفة بدل دروس الرحمة والعدل.

التربية ليست كلمات تقال، بل مشروع يصنع الأجيال.

وما فعله الحوثي هو اغتيال ممنهج لأخلاق الأمة، وتجريف لأهم ثرواتها: وهو الإنسان.

فبعد أن كانت الأسرة اليمنية تنجب دعاة وعلماء ومهندسين ومعلمين وأطباء، باتت اليوم تنجب مجندين صغارا، يصرخون بالموت، ولا يعرفون للحياة قيمة.

والله من وراء القصد.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام