لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن (12)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الثانية عشرة: الحوثي ومشايخ القبائل، بين الولاء والتهديد
في اليمن، كان مشايخ القبائل هم عماد المجتمع وقلبه النابض، كانوا أصحاب كلمة، وأمناء على العرف، وقادة في حفظ السلام والاستقرار، كل في منطقته.
احترامهم لم يكن فقط لمكانتهم الاجتماعية، بل لما كانوا يمثلون من توازن وسلطة حقيقية تحفظ بها حقوق الناس، وتدار بها الصراعات.
لكن الحوثي، بحكم مشروعه الاستبدادي، لم يرض بمكانة مستقلة لأي جهة تقليدية، لا مشايخ ولا قبائل.
فبدأ بمشروع تفكيك السلطة القبلية، واستبدلها بسلطة موازية، قوة أمنية وعسكرية، تابعة له فقط.
وسألخص ذلك في عدة محاور:
أولا: استغلال التنافس القبلي
لم يكن الحوثي ليخوض حربه إلا مستغلا التوترات والخصومات بين القبائل، فزرع الفتنة، ومول بعض المشايخ على حساب آخرين، وأشعل النزاعات القبلية ليضعف التكتلات الاجتماعية القوية.
كلما قويت قبيلة، اشتغل الحوثي على إثارة الخصومات معها، أو إغراء بعض مشايخها بالمال أو السلطة، ليكونوا أدوات له في تفتيت النسيج القبلي.
ثانيا: استبدال المشايخ بالعملاء
كثير من مشايخ القبائل الذين رفضوا الخضوع للإملاءات الحوثية، تم تهديدهم، وملاحقتهم، واغتيالهم، أو تجريدهم من نفوذهم.
في المقابل، دعم الحوثي مشايخ آخرين، لا يمثلون إلا إرادته، ويخدمون أجندته، ويفرضون على قبائلهم طاعة الجماعة وليس العرف القبلي.
وهكذا تحول دور الشيخ من قائد حكيم يحترم إلى شبه موظف مع هذه السلالة.
ثالثا: قمع المشايخ المستقلين
أي شيخ قبلي يحاول الوقوف بوجه المشروع الحوثي يوصم بالعمالة أو الإرهاب، وتفتعل له قضايا ملفقة، وقد يعتقل أو يختطف، أو يقتل في ظروف غامضة.
وأصبح الشيخ المستقل في مناطق الحوثي يعيش حالة من الرعب والخضوع، أو الطرد والهجرة.
رابعا: تفكيك السلطة الاجتماعية
بهذه السياسة، استطاع الحوثي أن يفكك بنية القبيلة اليمنية، ويضعف هيبتها، ويقوي من سطوته، ليصبح هو القائد الأعلى في كل منطقة، بديلا عن العرف والتقاليد.
تلاشت أدوار القادة القبليين التقليديين، وظهر الولي كسلطة مطلقة لا منازع لها.
خامسا: السيطرة الاقتصادية والسياسية عبر المشايخ
لم يكتف الحوثي بالسيطرة الأمنية، بل استغل بعض المشايخ لإدارة مصالحه الاقتصادية والسياسية في المناطق، مما أدى إلى فساد واسع، واستغلال للسلطة، وتحويل القبيلة إلى أداة بيد الجماعة.
والحاصل: كانت القبيلة اليمنية وشيخها رمزا للاستقرار والحكمة، لكن الحوثي غير الصورة، فحولهم إلى بيادق في لعبة استبدادية، يقمع بها كل صوت حر، ويهدم بها كل توازن.
فهل تستمر اليمن في هذا الانهيار الاجتماعي، أم تستعيد مجدها وحكمة قبائلها؟
هذا سؤال مهم موجه لمجلس الرئاسة اليمني، ونرجو من الله أن يأخذ بيديهم ويوحد كلمتهم، لأجل تحرير اليمن من هذه العصابة الصفوية.
والله من وراء القصد.