لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن (4)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الرابعة: محاور أساءات الحوثي للتعليم
لقد جاء الحوثي إلى عتبة التعليم يحمل في يده شعار الموت، وفي الأخرى منهجا ملوّثا، ووطأت قدمه ساحة التعليم، لا لتعلي البناء، بل لتهدم الأساس.
فلم يكن التعليم عنده وسيلة للنهضة، بل أداة للغسل والتجنيد والتعبئة الطائفية.
ولم يدخل المدرسة ليصلح فيها، بل اقتحمها كغاز، يطمس هوية، ويغتال وعيا، ويشوه ذاكرة الأجيال.
وها أنا أعرض أمامكم أبرز محاور إساءات الحوثي للتعليم، مستندا فيها إلى واقع مرئي لا يكذبه عاقل، وإلى تقارير موثقة صادرة عن الأمم المتحدة، وشهادات حقوقيين، وما التقطته عدسات الكاميرات، ودونه المظلومون بألسنتهم وهم يروون معاناتهم من قلب الحدث:
أولا: تغيير المناهج الدراسية لصالح الطائفية.
من أخطر ما فعله الحوثيون أنهم حولوا المناهج المدرسية إلى أدوات تعبئة طائفية، بما يخالف الدين والعقل والتاريخ.
ومن ذلك إدخال الصرخة الحوثية (شعارهم السياسي: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل) في مناهج التعليم.
وتمجيد الحسين والزيدية السياسية وتقديمهم على الصحابة، بل وتحريف بعض سيرهم، وخصوصا كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان، بحذف أسمائهم من كتب التاريخ والدين وتشويه أدوارهم.
يقول أحد المعلمين بصنعاء: (نجبر على تدريس أفكار نعلم يقينا أنها لا تمت للإسلام الصحيح بصلة، وإن اعترضنا، فمصيرنا السجن أو الطرد).
ثانيا: عسكرة المدارس وتجنيد الطلاب.
لقد توقف التعليم في مئات المدارس، وتحولت إلى: مراكز تدريب عسكري للأطفال، ومخازن أسلحة ومقرات للقيادات الحوثية.
وهناك أكثر من 35,000 طفل تم تجنيدهم منذ بدء الحرب، كثير منهم من المدارس.
قالت أم أحد الضحايا: (خرج ابني إلى المدرسة، فأعاده الحوثيون لي ميتا).
ثالثا: قمع المعلمين وإذلال الكوادر التعليمية.
حيث تم فصل أكثر من 15 ألف معلم ومعلمة لرفضهم تعليم المنهج الطائفي.
وايضا تم قطع رواتب المعلمين منذ 2016، وجعلوهم يعملون بالإكراه أو تحت التهديد.
وتم تعيين مشرفين حوثيين لا يحملون أي مؤهلات، لفرض ما يسمى الهوية الإيمانية.
كتب أحد المعلمين فقال: (كل صباح أذهب إلى المدرسة بلا أمل، ندرس دون راتب، ونراقب كالمجرمين، ونجبر على قراءة ملازم حسين الحوثي بدل القرآن).
رابعا: تجهيل متعمد للأجيال.
ليس هدف الحوثيين تعليم الأجيال، بل تفخيخ عقولهم وتطويعهم، فهناك أكثر من 60% من الطلاب في بعض المناطق تركوا التعليم ولم يكملوا دراستهم، إما بسبب الفقر، أو الحرب، أو الانهيار التعليمي، أو أسباب اجتماعية أخرى، خصوصا: الفتيات في المرحلة الثانوية.
وكثير من القرى تحولت المدارس فيها إلى مراكز حوثية.
قال أحد الطلاب: (كنا نحلم أن نكون أطباء ومهندسين، لكن اليوم نساق للجبهات كالماشية).
خامسا: آثار كارثية على المجتمع اليمني.
لقد ارتفعت نسبة الأمية بين الأطفال بشكل مخيف، وحدث إحباط نفسي واسع لدى عشرات آلاف الطلاب والمدرسين.، مع انهيار مستوى التعليم الجامعي، بسبب تدخل الحوثيين حتى في الجامعات (مثل جامعة صنعاء، وبقية الجامعات الأخرى، وخصوصا الحكومية منها).
وقد جاء في تقرير اليونيسف عام 2024م قولهم: (جيل كامل مهدد بالضياع إذا لم يسترجع التعليم من قبضة المليشيا).
سادسا: التجهيل الاستراتيجي
ربما أخطر ما يفعله الحوثي بالتعليم، ليس ما يقال في الكتب، ولا ما يمارس في الساحات، بل ما لا يقدم أصلا. لقد أسس الحوثيون لما يمكن أن يسمى: التجهيل الاستراتيجي، حيث منعوا الكتب الخارجية، وعطلوا الأنشطة العلمية، وقيدوا الجامعات، وأبعدوا الكفاءات، وحاصروا الاجتهاد، وشجعوا ثقافة التلقين الأعمى.
هم لا يريدون طالبا يفكر، بل طالبا يطيع، ولا يريدون عقلا ناقدا، بل تابعا منساقا.
لا يسعون إلى تعليم جيل يبني اليمن، بل جيل يسبّح بحمد سيد الكهف، ويهتف بـالصرخة، ويموت في سبيل مشروع لا يشبه اليمن ولا الإسلام.
التعليم ليس مجرد كتاب وقلم فحسب، بل هو أمن وطن، ونهضة أمة، وسلاح محرر.
وإذا استمر الحوثيون في تجريفه وتلغيمه، فلن نرى إلا:
جيلا مشوه الفكر، مشبعا بالكراهية، عديم الانتماء للدين الحق أو الوطن.
العلم أمانة، فإذا خانها من يتولاها، ضاعت الأمة.
والله من وراء القصد.