لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن (10)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة العاشرة: الحوثي وتدمير المساجد
لم يكن استهداف المساجد على يد المليشيات الحوثية طارئا، ولا وليد لحظة غضب عابرة، بل كان نهجا ممنهجا وخطة سوداء تتربص ببيوت الله منذ زمن.
كانت الفاجعة الكبرى، والصاعقة التي لم يتوقعها أحد، في العام 2013م، حين بدأ القصف بالأسلحة المتوسطة والثقيلة بوحشية غير مسبوقة على دار الحديث في دماج بمحافظة صعدة، فتهدمت جدران المسجد والسكن، وسقط مئات الطلاب بين قتيل وجريح. مشاهد الدماء على أرض العلم، وأنين الجرحى بين أوساط من سخروا أوقاتهم وأعمارهم لخدمة الدين.
ثم فتح الحوثيون أبواب سلسلة طويلة من المآسي، حيث توالت الحروب الحوثية على تفجير المساجد ودور القرآن ومراكز العلم في مختلف المناطق.
ففي محافظة عمران، وثقت الإحصاءات حجم الخراب المروع الذي ألحقوه بعد أشهر من سيطرتهم عليها:
ستة عشر مسجدا ودارا للقرآن الكريم أُبيدت تماما، منها: مسجد الرحمن في عذر، مسجد الفاروق في دنان، مسجد دار الحديث في خيوان، مسجد الحسن بن علي في بني صريم، مسجد العقيلي في بني عقيل، مسجد الرحمة في حوث، مسجد وهاس في حوث، مركز حمزة لتحفيظ القرآن الكريم في حوث، مؤسسة التيسير لدعم وتحفيظ القرآن الكريم، مسجد الصديق في الخمري، مسجد دار الأحمر لتحفيظ القرآن الكريم، مسجد الرحمة في خمر، مسجد الغولة في نقيل الغولة، ومسجد بلال بن رباح في ريدة.
ولم يكتفوا بذلك، بل قصفت أيديهم الآثمة مسجدا بقذائف الهاون في قرية المنظر التابعة لمديرية الحوك جنوب مدينة الحديدة.
وفي قبيلة حاشد وحدها، بلغت المساجد ودور تحفيظ القرآن التي فجروها قرابة عشرين مسجدا ودارا للقرآن الكريم، إضافة إلى تدمير خمسة مساجد ودور تحفيظ في مديرية همدان بصنعاء ومحافظة الجوف، وتفجير مسجد دار الحديث في كتاف بصعدة، ودار عاهم كشر في حجة، وغير ذلك كثير.
وتكشف الأرقام الرسمية هول الكارثة؛ ففي تقرير صادر عن الحكومة اليمنية عام 2017، وعام 2020م، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية سبأ، فإن 299 مسجدًا في عدة محافظات تعرضت للتدمير أو التفجير الكامل على يد المليشيات الحوثية منذ انقلابها مطلع 2015م، بينما أصيب 24 مسجدا بأضرار بليغة تهدمت معها أجزاء كبيرة من جدرانها، وحولوا 146 مسجدا إلى ثكنات عسكرية ومقرات للقناصة ومخازن للأسلحة الثقيلة والمتوسطة والمتفجرات، بل وإلى أماكن للتدريب على القتل، ومجالس لمضغ القات وتناول الشيشة، والشمة.
وقد تم تدمير وتفجير مساجد أخرى تلت منذ عام 2020 حتى عامنا الحالي 2025م، يطول ذكرها.
وامتد عدوانهم إلى كتاب الله ذاته؛ فقد أُحرقت أكثر من ثلاثة آلاف نسخة من المصحف الشريف، وشوهدت مئات المصاحف ممزقة، ملقاة على الأرض بسبب قصفهم المساجد، بعدما كانت تزين كل غرفة ومرفق من مرافق تلك الدور، في مشهد يوجع القلب.
هكذا، وبدم بارد، تستباح بيوت الله، ويحرق كلامه، ويقصى أهله في حرب ليست على الحجارة وحدها، بل على النور الذي بين دفتي المصحف، وعلى المساجد، ودور تحفيظ القرآن والعلوم الشرعية.