السبت 18 ربيع الآخر 1447 هـ || الموافق 11 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    آفات الخطاب الدعوي المعاصر    ||    عدد المشاهدات: 94

آفات الخطاب الدعوي المعاصر (1)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني

الحلقة الأولى: الغلو في تضليل المخالف


الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وأمر بالعدل والقسط، ونهى عن البغي والظلم، فقال سبحانه: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل كما ثبت عند النسائي وغيره: (إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)، ثم أما بعد

فإن بيان مسألة الغلو في تضليل المخالف يقتضي التوقف عند جملة من المحاور الأساسية، من أبرزها ما يلي:

أولا: تعريف الغلو في التضليل

هو تجاوز الحد الشرعي في الحكم على المخالفين من المسلمين، بحيث يجعل كل خلاف في الاجتهاد أو الفروع سببا في التبديع أو التضليل أو حتى التكفير، مع أن الشريعة فرقت بين مسائل الأصول ومسائل الفروع، وبين الخطأ المغفور والبدعة المنكرة.

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/397): (وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع ولهذا يسمى أهلها أهل الأهواء).

ثانيا: خطورة الغلو في تضليل المخالف

وتتلخص هذه الخطورة في التالي:

الأول: تفريق الأمة

وقد نهى الله تعالى عن التفرق، فقال: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات)

الثاني: تضييع الجهود الدعوية

حيث ينشغل هؤلاء بالتصنيف والردود الداخلية من غير ضوابط، بينما العدو الخارجي يهاجم العقيدة والأرض.

الثالثة: الجرأة على دماء المسلمين وأعراضهم.

يبدأ الأمر بالتبديع والتفسيق وينتهي بالتكفير والقتال كما وقع من الخوارج.

ثالثا: منهج السلف في التعامل مع المخالف

ويتلخص في أمور؛

الأول: العدل والإنصاف

قال ابن تيمية في مجموع فتاويه (212/19): (وأهل السنة لا يبتدعون قولا ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، وإن كان مخالفا لهم مستحلا لدمائهم، كما لم تكفر الصحابة الخوارج مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم).

الثاني: التمييز بين الخطأ والبدعة

لم يكن السلف يبدعون كل من خالفهم، بل كانوا ينظرون إلى نوع المخالفة ودراستها قبل إصدار الأحكام على المخالف.

الثالث: الحذر من البغي

فإن من أعظم ما يبتلى به بعض الناس في الخلافات الفكرية أو المذهبية أو الحزبية أو حتى الدنيوية، أن يتجاوز حد الاختلاف المشروع إلى البغي والاعتداء، مع أن الله سبحانه يقول: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).

رابعا: صور من الغلو في واقعنا

وتتلخص في أمور أبرزها:

الأولى: إطلاق أحكام التبديع على المخالف في مسائل اجتهادية فرعية.

الثانية: اتهام العلماء الكبار بالضلال لمجرد اختلاف رأي.

الثالثة: تحويل كثير من الدروس الدعوية إلى مجالس تصنيف وتقسيم للناس.

خامسا: الموقف الشرعي المطلوب

ويتلخص في التالي

الأول: الرجوع إلى النصوص وضبط الحكم بها، قال الله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول).

الثاني: الاشتغال بالعلم والعمل والدعوة بدلا من تصيد الأخطاء.

الثالث: إحياء فقه الأولويات، بتقديم ما قدمه الله ورسوله من إصلاح العقيدة والأخلاق وتربية الأمة على ما دونها.

الرابع: تربية النفس على التواضع والرحمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا).

والحاصل: أن الغلو في تضليل المخالف آفة خطيرة تفتت الصفوف وتشغل عن البناء الحقيقي للأمة.

والواجب على الدعاة وطلاب العلم أن يزنوا الناس بالعدل والإنصاف، وأن يجعلوا ميزانهم الكتاب والسنة بفهم السلف، بعيدا عن الهوى والتعصب والحزبية.

قال الإمام مالك رحمه الله: (كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر) وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

فالاعتصام بالسنة هو النجاة، والعدل مع المخالف هو المنهج الحق، وترك الغلو هو سبيل الفلاح.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام