السبت 18 ربيع الآخر 1447 هـ || الموافق 11 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    آفات الخطاب الدعوي المعاصر    ||    عدد المشاهدات: 83

آفات الخطاب الدعوي المعاصر(4)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني 

الحلقة الرابعة: ضعف التربية الإيمانية والخلقية أمام التركيز على الجدل والمناظرات


في زحام السعي وراء العلم والمناظرات، قد يغفل الإنسان عن جوهر الدين وروحه الحقيقية.
ويظهر ذلك جليا حين تضعف التربية الإيمانية والخلقية، ويصبح الجدل والمساجلات محور اهتمام الفرد قبل تزكية القلب والخلق.
في هذه الحلقة نسلط الضوء على مظاهر هذا الضعف، وكيف أثر على شخصية المسلم، من خلال المحاور التالية:

أولا: حقيقة الخلل

من أبرز أمراض الواقع الدعوي المعاصر أن يغلب الجدل والمناظرات على التربية الإيمانية والخلقية، حتى نشأ جيل واسع الاطلاع على مصطلحات الخلاف والردود، لكنه ضعيف التزكية والورع، قليل الصلة بجوهر القرآن والسنة والعبادة إلا من رحم الله.

ثانيا: خطورة ضعف التربية الإيمانية

وهذه الخطورة تتلخص في أمور:

الأول: العلم بلا عمل وبلا تزكية وبال على صاحبه. 
قال تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا).

الثاني: القسوة والجدال العقيم.
حيث ينشغل بعض الشباب بإسقاط المخالف أكثر من انشغالهم بتحصيل العلم وتزكية قلوبهم.

الثالث: غياب القدوة العملية.
فإذا رأى الناس دعاة كثيري الخصومات، قليل العبادة، فقد ضعف تأثيرهم.

الرابع: انحراف المقاصد.
يصبح الغرض الانتصار للنفس أو الشيخ أو الجماعة لا للحق.

ثالثا: المنهج النبوي في التربية.

ويشمل أمورا، ابرزها: 

الأول: غرس الإيمان قبل التعليم التفصيلي.
 قالت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري: (إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدا).

الثاني: القدوة العملية: كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس عبادة وقياما وصدقة، قبل أن يكون أكثرهم جدلا وحوارا.

الثالث: التوازن بين العلم والعمل.
فقد جمع صلى الله عليه وسلم بين تعليم الكتاب والسنة والعمل بهما.

رابعا: صور من واقعنا.

واختصر ذلك في عدة صور:

الأولى: شاب يحفظ أقوال العلماء في الجرح والتعديل، لكنه هاجر لتلاوة القرآن وحفظه، أو لا يعمل بما تعلم.

الثانية: طالب يبرع في تتبع أخطاء العلماء، بينما يقصر في بر والديه أو صلاة الجماعة.

الثالثة: محافل علمية تتحول إلى منابر خصومة وجدال، بلا أثر في إصلاح القلوب أو تقريب الناس من ربهم.

الرابعة: شاب أو داعية متهور يقرأ أقوال السلف في المبتدعة، وينزلها على العلماء الربانيين، وعلى من يختلف معهم أو مع شيخه، ليخرج بنتيجة فلان مبتدع، والواقع خلاف ما يزعمه.

سادسا: الواجب المطلوب.

هناك أمور ينبغي أن يتصف بها المسلم، وطالب العلم والداعية من باب اولى:

الأول: التركيز على تزكية القلوب. 
يعتني المسلم بتنقية قلبه من الغل والحسد والرياء ونحوها من المعاصي، ملتزما بالحلم والأناة والسمت والورع وسائر الأخلاق الحسنة، لكي يشرق إيمانه في كل تصرفاته.

الثاني: تقديم القدوة العملية. ليكون الداعية صورة حية لعلمه.

الثالث: تقليل الجدل والخصومات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عند أبي داود وغيره: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا).

الخامس:إحياء حلقات التربية.
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على الصبر، والإخلاص، وحب الآخرة.

والحاصل: أن الخطاب الدعوي إذا خلا من التربية الإيمانية والخلقية صار جسدا بلا روح، وكلاما بلا أثر. 

ولا خلاص للأمة إلا بالعودة إلى المنهج النبوي في الجمع بين العلم والتزكية، بين تعليم الكتاب والسنة وتزكية القلوب.

قال الله تعالى: (قد أفلح من تزكى، وذكر اسم ربه فصلى).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام