السبت 18 ربيع الآخر 1447 هـ || الموافق 11 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    آفات الخطاب الدعوي المعاصر    ||    عدد المشاهدات: 74

آفات الخطاب الدعوي المعاصر (3)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني 

الحلقة الثالثة: الجهل بفقه الأولويات


أولاً: معنى فقه الأولويات.

فقه الأولويات: هو وضع كل أمر في مرتبته الصحيحة في ميزان الشرع، بتقديم ما حقه التقديم وتأخير ما حقه التأخير، ومعرفة ما هو واجب عيني وما هو فرض كفاية، وما هو مستحب وما هو مكروه، ونحو ذلك، حتى لا تضيع الجهود، ويترك ما هو أهم وأعظم.
قال الله تعالى: (اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله).

ثانيا: مظاهر الجهل بفقه الأولويات.

تكمن هذه المظاهر في الأمور التالية:

الأول: الانشغال بالفروع مع إهمال الأصول: فكم من مثقف أو طالب علم صغير يقيم الدنيا لأجل مسألة جزئية، بينما لا يحفظ من القرآن والسنة ما يقيم صلاته.

الثاني: تضخيم المسائل الخلافية، حتى تصبح معيار الولاء والبراء، فيتبدد الصف الدعوي.

الثالث: تقديم القضايا الثانوية على المصيرية كمن يحيي معارك بين الدعاة في قضية مستساغة الخلاف، ويترك مواجهة موجات الإلحاد والتغريب التي تهدد هوية الأمة.

الرابع: إهمال الواجبات العملية كالصدقة، والأمر بالمعروف، وتربية الأهل، والانشغال عنها بالجدل النظري.

ثالثا: خطورة الجهل بفقه الأولويات.

وهذه الأخطار تبرز في أمور:

الأول: ضياع الجهود.
فالطاقة التي يجب أن تستثمر في الدعوة والتعليم تهدر في جدالات.

الثاني: تمزيق الصف.
لأن سوء ترتيب الأولويات يجعل الصغائر كبائر والعكس.

الثالث؛ تشويه صورة الدين.
 إذ يظن الناس أن الإسلام كله خلافات وجدالات، وتحذير من فلان وعلان كما فهمه بعض من اتصل بي من أوربا ممن هم قريبو عهد بإسلام، بينما هو رحمة وعدل وهداية.
قال النبي صلى الله الله وسلم كما في صحيح مسلم: (إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما ميسرا).
يعني: لم يبعثني الله مشددا على الناس، ملزما لهم ما يصعب عليهم، أو طالبا تتبع زلاتهم.

رابعا: منهج القرآن والسنة في ترتيب الأولويات.

ويتلخص أبرزها في الآتي: 

الأول؛ البدء بالتوحيد
قال الله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا).
وهو أعظم واجب وأساس الدين.

الثاني: العناية بالفرائض قبل النوافل.
قال الله تعالى في الحديث القدسي كما في صحيح البخاري: (وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه).

الثالث: النهي عن الانشغال بما لا ينفع: 
قال النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عند الترمذي وغيره: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).

خامسا: الواجب على الدعاة وطلاب العلم.

ويبرز هذا الواجب في أمور:

الأول: تعظيم الأصول التي لا يقوم الدين إلا بها: العقيدة الصحيحة، العبادات، الأخلاق.

الثاني: التفريق بين مسائل الاجتهاد والقطعيات، فلا مساواة بين الأمرين.

الثالث: الاهتمام بقضايا الأمة الكبرى: كتحكيم الشريعة، وبناء الإيمان، ومواجهة الغزو الفكري.

الثالث: تربية النفس والجيل على شمولية الإسلام وطلب العلم الشرعي، ليكون الدين حاضرا في الحياة كلها، لا في جزئيات مهملة.

والحاصل: أن الجهل بفقه الأولويات من أخطر ما أصاب الخطاب الدعوي، لأنه يفرغ الجهود في ما لا ينفع، ويجعل الجدل المبالغ فيه في القضايا الفرعية على حساب القضايا الكبرى. 
والنجاة في الرجوع إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ربى أصحابه على التوحيد أولا، ثم الصلاة، ثم الأخلاق، ثم حمل الرسالة للعالمين.

قال الله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام