الأربعاء 7 جمادى الأولى 1447 هـ || الموافق 29 أكتوبر 2025 م


قائمة الأقسام   ||    لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن    ||    عدد المشاهدات: 31

لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن(41)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني 

الحلقة الواحدة والأربعون: الحوثي والوحدات الصحية


لم تكن المستشفيات والمراكز الصحية في اليمن مبان طبية فحسب، بل كانت ملاذا للرحمة، ومرفأً للضعفاء، وصوتا للمرضى في وجه الألم. 

لكن حين دخل الحوثي إلى المشهد، تغير معنى الشفاء ذاته، وصارت المراكز الصحية إحدى أدوات الجماعة للجباية، والتجنيد، والسيطرة على العقول والأجساد معا.

وسأبين ذلك من خلال المحاور الآتية:

أولا: تحولت المستشفيات إلى مواقع للسلطة.

حين أحكمت جماعة الحوثي سيطرتها على صنعاء وبعض المناطق اليمنية سارعت إلى بسط نفوذها على المستشفيات والمراكز الصحية العامة والخاصة.
ووفقا لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الصادر في يناير 2024م بعنوان: الجماعة الحوثية تخضع النظام الصحي لقوانين الحرب، فقد وثقت المنظمة أن الحوثيين حولوا عددا من المستشفيات إلى مقار عسكرية ميدانية أو مخازن للأسلحة في صنعاء وصعدة والحديدة، وأنهم استخدموا سيارات الإسعاف في نقل المقاتلين والذخائر، مما عرض المرافق الطبية للاستهداف المتكرر.

كما أورد تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في فبراير 2024م أن الجماعة استولت على مخصصات تشغيل المستشفيات، وقامت بتعيين مشرفين موالين لها في جميع المستشفيات الحكومية، مما جعل الخدمات الصحية تدار بالولاء السياسي لا بالكفاءة الطبية.

ثانيا: الجبايات تحت غطاء دعم الصحة المجتمعية.

نشرت صحيفة الشرق الأوسط في تقريرها بتاريخ 11 أبريل 2024م بعنوان الحوثيون يفرضون جبايات جديدة على المراكز الصحية بحجة دعم الجبهات، حيث جاء في التقرير: أن الجماعة ألزمت إدارات المستشفيات في صنعاء والحديدة بدفع مبالغ شهرية محددة إلى ما يسمى: صندوق دعم المجهود الحربي، وهددت من يرفض بالعزل والمحاسبة.

وأكّد التقرير أن بعض المستشفيات أُجبرت على تنظيم فعاليات دعائية داخل المرافق الصحية بمناسبة يوم الصرخة أو المولد النبوي، حيث ترفع صور زعيم الجماعة وشعاراتها داخل أقسام المرضى!

كما نشرت منظمة سام للحقوق والحريات في تقريرها السنوي لعام 2023م أن الحوثيين استغلوا الأزمات الصحية، خاصة جائحة الكوليرا وسوء التغذية، لجباية أموال ضخمة تحت عنوان التطهير الصحي ودعم الطوارئ، دون أن تصل تلك الأموال إلى المحتاجين فعليا.

ثالثا: التلاعب بالمساعدات الطبية.

في تقرير منظمة العفو الدولية – مارس 2023م بعنوان: عرقلة وصول المساعدات الطبية انتهاك لحق الحياة، وقد ذكرت المنظمة أن الحوثيين احتجزوا شحنات طبية مقدمة من الأمم المتحدة في موانئ الحديدة، ومنعوا توزيعها إلا بعد وضع شعارات الجماعة على العبوات.
وأضاف التقرير أن هذا السلوك يهدف إلى منح انطباع بأن الجماعة هي مصدر المعونة والرحمة، في حين تحرم الناس من العلاج الفعلي.

كما نقل موقع المصدر أونلاين بتاريخ 3 يناير 2024م أن وزارة الصحة في صنعاء، الخاضعة للجماعة، فرضت على المستشفيات الخاصة شراء أدوية من شركات معينة تابعة لمشرفين حوثيين بأسعار مضاعفة، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكاليف العلاج، وتدهور الخدمات الطبية للمواطنين.

رابعا: المستشفيات كمراكز للتجنيد.

تقرير مركز رصد النزاع في اليمن (Yemen Conflict Observatory) الصادر في يوليو 2024م أوضح أن الجماعة تستخدم المستشفيات الحكومية في صنعاء وإب وذمار لتجنيد الشباب الجرحى بعد علاجهم، وتعرض عليهم امتيازات مالية مقابل الانخراط في صفوف القتال، وهو ما وصفه المركز بأنه استغلال بشع لمعاناة المرضى وتحويل العلاج إلى مدخل للتجنيد.

ويدعم هذا ما نشره موقع العربية نت في سبتمبر 2023م حول قيام الجماعة بتحويل بعض مستشفيات الحديدة إلى مراكز تعبئة فكرية وعقائدية للأطفال الجرحى تحت شعار: الشفاء الروحي قبل الجسدي، في حين تبث داخلها خطب زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بدلا من البرامج التوعوية الطبية.

خامسا: مأساة المرضى والمواطنين.

أشارت منظمة أطباء بلا حدود (MSF) في بيانها الصادر في ديسمبر 2023م إلى أن الوضع الصحي في مناطق سيطرة الحوثيين ينهار نتيجة الفساد والتمييز في تقديم الخدمات، حيث يمنح الأولوية في العلاج لأسر المقاتلين والموالين للجماعة، بينما يهمل باقي المواطنين.

وفي تقرير موقع يمن ميديا بتاريخ 10 مايو 2024م، قال أحد الأطباء في صنعاء: (لم نعد نمارس الطب كما كنا، بل نمارس الطاعة، فالأوامر الطبية تأتي من المشرف، لا من الطبيب.

سادسا: البعد الإنساني والسياسي.

تظهر هذه الوقائع أن الحوثي لا يرى في الطب رسالة، بل سلاحا.
فالمستشفى في نظره ليس مكانا للشفاء، بل ساحة ولاء.

والطبيب ليس وسيلة رحمة، بل موظفا في جيش الدعوة السلالية.

ومريض الأمس يصبح مقاتل الغد، وميزانية الصحة تتحول إلى تمويل للحرب.

وهكذا ضاعت الموازين بين الرحمة والهيمنة، وبين الطب والسلطة.

لقد كانت المستشفيات في اليمن ذات يوم بيوتا للشفاء، واليوم صارت تحت حكم الحوثي بيوتا للوجع السياسي، ترفع فيها الرايات بدلا من الضمادات، وتلقى فيها الخطب بدلا من الوصفات.
فإذا كان الوقف في مقال سابق قد صار وقفا على الجماعة، فإن الشفاء اليوم صار شهادة ولاء.




اقرأ أيضا



للتواصل معنا

فايس واتساب تويتر تلغرام