لله ثم للتاريخ، هذا ما أحدثه الحوثيون في اليمن (11)
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
الحلقة الحادية عشرة: الحوثي والمخدرات، حرب السموم وتمويل الإرهاب
لم تعد الحرب الحوثية في اليمن تقتصر على تبادل الرصاص والصواريخ، بل امتدت إلى ساحات أخرى خطيرة، منها تجارة المخدرات واستخدامها كأداة قمع داخلي وتمويل خارجي.
وقد أظهرت تقارير محلية ودولية عدة أن جماعة الحوثي صارت شبكة متكاملة في تهريب المخدرات، وتوزيعها على مقاتليها، بل حتى تصديرها إلى دول الجوار، خصوصا السعودية وعمان، مما يعمق الأزمة الأمنية في المنطقة ويهدد السلام والاستقرار.
وسألخص لكم ذلك في محاور:
أولا: تعاطي المخدرات داخل صفوف الحوثيين.
حسب تقرير الأمم المتحدة الخاص باليمن (UN Panel of Experts on Yemen, 2022)، تستخدم جماعة الحوثي المخدرات كجزء من سياسة السيطرة على مقاتليها. حيث تشير شهادات عدة إلى توزيع الحبوب المنشطة مثل الكبتاجون (Captagon) على الجنود، لإبقائهم يقظين ومستعدين للقتال ساعات طويلة، دون تعب أو تفكير.
وقد وثق التقرير مئات الحالات التي تدهورت فيها الحالة النفسية للمقاتلين بسبب تعاطي هذه المواد.
كما تم الإشارة إلى دور المخدرات في تحفيز الجنود على ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين تحت تأثير التخدير.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمات محلية يمنية، انتشر الإدمان على المخدرات في مناطق الحوثيين بشكل غير مسبوق خلال سنوات الحرب، خاصة بين الشباب والفئات الأكثر ضعفا، مما أسهم في تفشي العنف والجريمة، وانهيار الأسرة والمجتمع.
ثانيا: شبكات التهريب.
كشفت تقارير محلية ودولية، منها تقرير الأمم المتحدة نفسه عام (2022) وتقارير جهاز مكافحة المخدرات السعودي، عن ضبط مئات الكيلوغرامات من الحشيش والكبتاجون في قوارب صيد تخدم شبكة تهريب الحوثيين.
وفي يوليو عام 2021، أعلنت القوات السعودية البحرية ضبط أكثر من 1.2 طن من الحشيش والكبتاجون في عرض البحر الأحمر، وكانت القوارب تتجه من مناطق تحت سيطرة الحوثي.
كما أشار التحالف العربي إلى تكرار هذه المضبوطات في عدة مناسبات، حيث تستخدم الجماعة طرقا بحرية وبرية عبر المناطق الحدودية لتهريب المخدرات.
كما ذكرت مصادر حقوقية أن الجماعة الحوثية تتعاون مع مافيات تهريب دولية مرتبطة بإيران ولبنان وبعض دول آسيا، مما يربط اليمن بسلسلة تهريب المخدرات العالمية. هذه الشبكات تمكن الحوثي من الحصول على ملايين الدولارات سنويا، تستخدم في تمويل عملياتها العسكرية واللوجستية.
ثالثا: الأثر الأمني والسياسي على دول الجوار.
تشكل المخدرات القادمة من مناطق الحوثي تهديدا مباشرا للأمن الداخلي في السعودية والإمارات.
وقد ضبطت الأجهزة الأمنية مئات الحالات لمحاولات تهريب عبر الحدود، بعضها مترافق مع عمليات تهريب أسلحة وذخائر.
وقد حذر تقرير وزارة الداخلية السعودية عام (2023) من تزايد مخاطر تهريب الكبتاجون الذي أصبح يستخدم بين بعض الفئات الشابة، مما يتطلب تعاونا إقليميا لمكافحة هذه الظاهرة.
كما تشير تقارير محلية إلى وجود نشاطات تهريب مستمرة عبر حدود جنوب اليمن مع سلطنة عمان، حيث تعاني المناطق الحدودية من تفشي الإدمان والسرقات والقتل المرتبط بعصابات المخدرات المدعومة من الحوثي.
رابعا: البيان الديني والأخلاقي.
الإسلام حرم كل ما يذهب العقل ويفسد الجسد، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه).
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن خطورة المسكرات كما في صحيح مسلم فقال: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام).
إن حمل الحوثي راية الإسلام وهو يروج المخدرات، ويدمر الجسد والعقل، لشيء يدعو للأسى والتأمل في مدى انحراف هذا المشروع الصفوي عن الدين والقيم.
فتجارة وتعاطي المخدرات في صفوف الحوثيين ليست مجرد جانب جانبي من الحرب، بل هي جزء مركزي من سياسات الجماعة في الإخضاع والسيطرة والتمويل.
وهذا الملف يسلط الضوء على أبعاد خطيرة تتجاوز حدود اليمن إلى دول الجوار، وتشكل تهديدا أمنيا واجتماعيا حقيقيا.
وعلى المجتمع الدولي والمجتمعات المحلية أن تتكاتف لإيقاف هذه الحرب المزدوجة: حرب السلاح وحرب السموم، حتى تعود اليمن إلى حضن السلام والأمان، وذلك لن يتم إلا بوحدة الشعب تحت قيادة موحدة لإنقاذ اليمن، وطرد الحوثي من السلطة.