إنشاء أحزاب باسم الدين، وحكم تسميتها بالسلفية، وموقف السلفيين من الفتن
بقلم الدكتور: صادق بن محمد البيضاني
س 626: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجزى الله المقتفين لأثره إلى يوم الدين خير الجزاء، وجعل الجنة مثوانا ومثواهم، وحرّم الله وجوهنا ووجوههم على النار.. وبعد:
تدور في هذه الأيام دائرةُ فتنٍ مطردة وكبيرة، حارت منها عقول عوامِّ المسلمين، وما أكثرهم عليه! نأمل منكم التكرم مشكورين بتوجيه محاضرات إلى الدول التي سواءً حدثت بها أحزاب باسم الدين أو التي لم تحدث، وذلك بتوضيح موقف الكتاب والسنة من هذه الفتن.
فلقد ظهرت الفوضى العارمة في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي عليه من الله ما يستحق؛ فكثرت السرقة، واغتصاب أراضي الدولة، والميادين، والساحات العامة دونما رادع، وقبل أيام قليلة قتل شخص وذلك لمحاولته منع من أراد البناء أمام بيته، كما اغتصبت مباني الدولة، إلى أن احتلوا مبنى الجامعة المفتوحة "ببنغازي".
عموما هنا في ليبيا اختلف الإخوة ممن اتبع المنهج السلفي حول جواز تكوين حزب سياسي، والله إني رأيت بأم عيني ما أثر الخروج على الحكام وولاة الأمور، من حدوث مفاسد أعظم وأكثر مما كانت أيام القذافي، مع العلم بأنني ممن التحق بالمعسكر لصيانة الأسلحة لمحاربة القذافي، وكان ذلك بعد أن حاول دخول (بنغازي) وما ظهر من حثه لهم، واستباحته لدماء وأعراض أهل بنغازي والمدن التي مر منها جيشه.
وأنا أسأل الله أن لا أكون قد خالفت، وإن كان ذلك قد حدث فأسأل اللهَ العلي القدير أن يغفر لي و لسائر المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات إنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
بالله عليكم وضحوا لنا هل موقفنا صحيح أو باطل؛ وإني على ثقتي بالمنهج السلفي الصحيح، أسعى لاقتفاء ما صح نقله، وعدم تقديم العقل على النقل وغيرها من الأمور، أحسن الله إليكم.
ج 626: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: لا ينبغي إقامة حزب ووصفه بالحزب السلفي فهذه سلفية أمريكية غربية وليست سلفية شرعية.
وعلى السلفيين أن يهتموا بتعليم الناس العلم الشرعي، وتقديم النصيحة لحكام المسلمين، فهذه الأحزاب سبب من أسباب تفرق المسلمين، وأنتم يا أهل ليبيا تقولون بالأمس القريب: إن الحزبية حرام، فما كان حراماً بالأمس وفي شريعة الله فهو حرام اليوم، لا يجوز فعله والاقتراب منه، ويكفي أن الإخوان المسلمين باعوا منهجهم للغرب، وجعلوا الديمقراطية من الإسلام، وهذا عين الخذلان لأحكام الله، وسبب في طعن الإسلام الحنيف.
وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من التحزب ومشابهة الأعداء في كثير من الأحاديث:
فقد أخرج الشيخان من حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني".
فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟
قال: نعم.
قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟
قال: نعم، وفيه دخن(1).
قلت: وما دخنه؟
قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر.
قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟
قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه(2) فيها.
قلت: يا رسول الله - صفهم لنا.
قال: هم من جلدتنا(3)، ويتكلمون بألسنتنا.
قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟
قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟
قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل(4) شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك(5).
فأين قراء التاريخ، والمعتبرون من هذه الفتن التي حذر منها الرسول -صلى الله عليه وسلم -؟
ولو تتبعنا تلكم الأخبار لوجدناها كثيرة لا يتسع المقام لبسطها كلها، فالسننَ السننَ؛ فإنها قوام الدين، ولا يتخاذل عنها إلا من أضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون.
والحاصل أنه يجب نبذ التحزب وتركه، والعودة إلى منهج السلف الصحيح الذي دعانا إليه الإسلام، وبالله التوفيق.
ــــــــ
([1]) أي ليس خيراً خالصاً، بل فيه ما يشوبه ويكدره، وقيل الدخن الأمور المكروهة.
([2]) كانوا سبباً في رميه فيها.
([3]) من أنْفُسِنا وعَشِيرتِنا.
([4]) ساقها.
([5]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في صحيحه [كتاب المناقب - باب علامات النبوة في الإسلام (3/1319 رقم 3411)]، ومسلم في صحيحه [كتاب الإمارة - باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة (3/1475 رقم 1847)].